الثورة – حسين صقر:
مع أن الظروف الاقتصادية صعبة جداً، وباتت شغل الناس الشاغل، لكن وعلى الرغم من سيطرتها على حياة الإنسان، لابد من ضوء في آخر النفق يدفعنا للوصول إليه، لعل وعسى يرشدنا إلى طريق واسع، ينسينا تعب الأيام الماضية والسنوات العجاف.
من رحم المعاناة يولد الأمل، ولولا ما نعلل نفسنا به، لضاقت سبل العيش وانعدمت الحياة، فمن من الناس لم تعاكسه الظروف، ولم تترك بصماتها على قلبه وعقله، ومن منهم لم تفرض تحدياتها عليه، منهم من أضحى مقاوماً شرساً وجباراً، ومنهم من استسلم لها، وحدهم الأقوياء الذين لا يجاورون المستحيل وينكرون اليأس من جعلوا من تلك الظروف حكاية فقط يستذكرونها في سهرات السمر وجلسات الأنس.
فكم امرئ سبح عكس التيار وتغلب عليه بالإرادة والعزيمة والإصرار عبر سفينة أو طائرة أو كتاب وقلم وقرطاس، ليصل إلى هدفه..
قصص كثيرة في الحياة نسمع عنها، أو نصادف أبطالها وأصحابها..
الشابة “نغم حسن “تروي قصتها ل” الثورة” كيف حالت الظروف المادية بينها وبين التقدم للشهادة الثانوية بعد أن بذلت أقصى طاقاتها وإمكاناتها، وكانت متفائلة بالنجاح والتفوق وولوج الجامعة إلى جانب زملائها وزميلاتها، وتشق طريقها إلى المستقبل، وتكون إنسانة فاعلة في المجتمع، لكن إصابة والدها أثناء العمل بكسر في رجله ألزمته المنزل، جعلها عاجزة عن تسديد القسط الأخير للمعهد الذي تدرس به، وشحّ حولها الأقارب من أعمام وأخوال وأصدقاء، و”كسر كل يده وتسول عليها” في الوقت الذي رفضت فيه إدارة المعهد إعطاءها البطاقة من أجل التقدم للامتحان، لتخترقنا كثير من الأسئلة، أين هؤلاء الأقارب والخلان، وأين تلك لإدارة من السلوك الإنساني والإحساس بالآخرين، وهل لها أن تمنع بطاقة الامتحان عن طالبة قست عليها الظروف؟! ألم تجد طريقة فيها لاستيفاء قسط الدراسة؟!
المهم في الأمر الإرادة والتصميم وبعد انقطاع دام اثنتي عشرة سنة، نتيجة ظروف أخرى ومستجدات على حياة تلك الشابة، قررت العودة للحياة والدخول إليها من باب الطموح، وبدأت تسجيل الدورات المختلفة التي صقلت شخصيتها في مجالات كثيرة في الرياضيات والمحاسبة والإعلام وأثبتت ذاتها وصنعت لنفسها اسماً في معترك الحياة، وهاهي اليوم تواصل طريقها لنيل أهدافها، ودخول الجامعة، حيث تتقدم لامتحانات الثانوية العامة بعزيمة لا تلين، وهي مصرة على النجاح والتفوق.
كما استذكر الأستاذ “ناصر صقر” عندما حصل على الثانوية الصناعية، وأراد حينذاك التطوع في الكلية البحرية، وكي يؤمن مصروفه الشخصي، ولحين موعد التحاقه أراد العمل في أحد الأفران، ولكن مع كل أسف أصيبت إحدى أصابع يديه أثناء العمل، ما أدى لإعاقته عن المتابعة، وبعدها التحق في الخدمة الإلزامية وانقطع نحو ثماني سنوات عن الدراسة، وقرر العود على بدء والانطلاق من جديد، و دراسة الثانوية بشكل حر، ليحصل على معدل أهله لدخول فرع قسم الفلسفة في كلية الآداب، ثم يتخرج ويعمل في السلك التربوي ليكون مديراً في إحدى مدارسها.
ومن قصة ذلك المكافح، إلى الشاب ” رأفت الشعراني” الذي أصيب أثناء تأدية واجبه الوطني خلال الحرب الإرهابية العدوانية، ما أدى لقطع رجليه، ولم يقتنع بأن يرى نفسه معوقاً، حتى رأى نفسه بعد خدمة عشرين عاماً في الوظيفة، طالباً على مقاعد الدراسة لينهل العلم، ويحصل على الثانوية ويدخل أحد الفروع ويصبح طالباً في الجامعة، ولم يعقه كرسيه المتحرك عن العطاء، بل زاد من تصميمه ونجاحه.. والقصص كثيرة.
فعلاً الإرادة تصنع المستحيل وتنكر القنوط، وما روايتها إلا لزرع الأمل في النفوس المتعبة وإشعال جذوة الأمل الخامدة.