الثورة- أديب مخزوم:
كرمت جامعة دمشق في كلية الفنون الجميلة الفنان الرائد أ.د. عبد المنان شما ( عميد كلية الفنون الجميلة سابقاً، وأستاذ الدراسات العليا فيها ) وذلك بمنحه درع الابداع والتميز، خلال مناقشة رسالة ماجستير للطالبة حلا سليمان، ولقد عرضت بعض لوحاته في كلية الفنون الجميلة، التي اختيرت من مراحل سابقة.
ويذكر أن عبد المنان شما من مواليد حمص عام 1937، تلقى تعاليمه الفنية الأولى على يد الفنان الرائد صبحي شعيب ، ثم أوفد إلى موسكو بعد فوزه بالمرتبة الأولى في فن التصوير الجداري من أكاديمية سوريكوف بدرجة امتياز شرف، وتابع تخصصه في مجال الفنون الجميلة، ونال شهادة الدكتوراه من أكاديمية الفنون السوفييتية بموسكو، وعين في عضوية الهيئة التدريسية في كلية الفنون الجميلة، كما عين رئيساً لقسم التصوير في كلية الفنون، ثم شغل منصب عميد كلية الفنون الجميلة مرتين، وانتخب نائباً لنقيب الفنون الجميلة لعدة دورات متتالية، وشارك في لجنة تحكيم البينالي السابع للفنون في دكا وغيرها، وهو يشارك منذ الخمسينات في المعارض الجماعية الرسمية، وهو حائز على جائزة شرف تقديرية من وزارة الثقافة في مهرجان المحبة الثامن.
ومنذ بداية انطلاقته الفنية طرح عبد المنان شما وبشيء من الجدية مسألة الحفاظ على الإيماءات الواقعية، بحيث تظهر مجمل لوحاته السابقة والجديدة بمثابة صياغات واقعية حديثة، مستمدة من إيقاعات الطبيعة المحلية والأجواء الريفية والشعبية، إضافة إلى لوحاته عن دمشق القديمة ومعلولا، وغير ذلك من المواضيع التي أثرت على عدد كبير من الفنانين السوريين من الرواد والشبان الجدد.
ولقد كان ولايزال يرسم بمنطق الفنان لا الرسام فقط ، باحثاً عن أناقة الشكل وإيماءات التكوين المنضبط بأصول وقيود، في خطوات التعبير عن إيقاعات الحركة اللونية العفوية والوصول في نهاية الأمر إلى معطيات اللوحة القادرة على الإبهار في المظهرين التكويني والتلويني، وهو يترك الريشة تساير تجليات أو تداعيات الأحاسيس لاقتناص اللحظات والمشاعر الداخلية، التي تفرض على اللوحة اتجاهاً أسلوبياً مغايراً لمعطيات الواقع، بمعنى آخر أن اللوحة التي ترتكز على المشاعر والأحاسيس هي مدخل حقيقي لتغيير النظرة الجمالية تجاه المواضيع المعينة، فالصدق الفني والإحساس في العمل الإبداعي يلغي الرتابة حتى في الموضوع الواحد، ولقد تركت دراسته الأكاديمية في المحترفات الروسية، أثرها الواضح على أسلوبه الفني، ومع ذلك فهناك اختلاف بارز وأساسي في الجوهر وفي مجال القدرة على التعبير عن لونية الطبيعة وخاصة تسجيل إيقاعات الأشكال دون فقدان بريقها اللوني المحلي.
واللون المحلي له علاقة مباشرة بتداعيات معطيات ذاكرته الطفولية، فهو تربى على ألوان الريف والمدى اللامتناهي للسهل، ويمكن القول أن خطة سير العمل العام للوحته المأخوذة بنبض إيقاعات الألوان المترسخة في القلب والوجدان منذ الطفولة، تبدأ بتبسيط العناصر والأشكال وتسطيحها على طريقة الواقعية الجديدة، ثم تتخذ شكلها الإيجابي بإيجاد مناخات بصرية جديدة أكثر تماسكاً مع معطيات الواقع والمناخ والطبيعة والذوق المحلي.
وهذا يعني أن لوحاته تتجاوز الانطباعات التسجيلية المباشرة، وتنحاز نحو إيجاد صياغة إيقاعات الوجوه والأجساد والطبيعة والأشكال الصامتة والعناصر الأخرى، حتى يصل إلى تقنية إظهار اللمسات المتتابعة والموضوعة فوق بعضها البعض، والمنحازة إلى طريقة إبراز اللطخة أو الكثافة اللونية التي تظهر حالات التعبير، عن الدفق الداخلي الذي يبرز هنا كصدى لتأملات تكاوين اللوحة التعبيرية والانطباعية والواقعية الجديدة.
وهو أحد الفنانين القلائل، الذين عملوا على دمج إيقاعات اللمسة اللونية العفوية بتكاوين إيحاءات المناخ الأكاديمي ووفق الطروحات الجمالية الحديثة، وهذا ما نجده بوضوح في تنويعات أعماله، التي لم تكن إلا ردة فعل عفوية للحفاظ على الأسس الصحيحة في الرسم الواقعي الحديث، والمجاهرة بالقول إن المواهب الحقيقية لا بدّ أن تثمر بإيجاد المزيد من الروابط الإبداعية رغم كل مظاهر العبث والفوضى التي تلف حياتنا الثقافية والفنية.
ولقد كان ولا يزال يسير على الخط ذاته، الذي تصاعد وتنوع في سنوات متعاقبة، ولا يزال يؤمن بالفن الواقعي الحديث كمنطلق حضاري للوحة المحلية، كان يؤمن دائماً بضرورة وجود موضوع في اللوحة مستمد من تأملات العناصر الإنسانية والوجوه والطبيعة المحلية والتراث الفولكلوري والشعبي والزخرفي.
ويكفي أن نشاهد لوحة واحدة فقط له حتى ندرك أنه فنان أكاديمي يرتكز على موهبة بالدرجة الأولى، وليس على إغراءات تقنية ساهمت بشهرة الكثيرين دون أن تتوفر لدى هؤلاء أدنى درجات الموهبة التي هي الأساس الوحيد لإنجاز أعمال فنية على مستوى طليعي.