د. مازن سليم خضور:
كثر الحديث عن موضوع الاستقالات في الدوائر الحكومية والأعداد الكبيرة للمتقدمين ليس على التوظيف بل على الاستقالة من القطاع الحكومي. وبدلاً من تشخيص الأسباب بشكل علمي منطقي وواقعي وإيجاد الحلول العلمية والعملية المناسبة تصدت بعض الجهات لحل هذا الموضوع عن طريق منع قبول الاستقالة وبالتالي التوهم بحل المشكلة وهم في الواقع وقعوا تحت مشاكل أكثر وأكبر!
في ظل هذا الأمر لابد لنا من الحديث عن موضوع مرتبط بما ذكرنا وهو (الاحتراق الوظيفي).
هو نوع خاص من التوتر الملازم للعمل وحالة من الإرهاق البدني أو النفسي تتضمن الشعور بتراجع الإنتاجية وفقدان الهوية الشخصية حتى أن منظمة الصحة العالمية صنفته على أنه مرض لأنه يؤدي إلى الكثير من الأمراض الصحية والنفسية والاجتماعية!.
يُعدّ أول من أجرى الأبحاث عن الاحتراق الوظيفي الطبيب والمعالج النفسي هربرت فرودنبرجر، والذي عرفّه بأنه “التكلفة المُرتفعة للإنجاز العالي، والتي تتمثل في حدوث “انقراض” أو “تقلص” للدافع أو الحافز الذي يُحركنا في الحياة أو يدفعنا للاستمرار في العمل وتحقيق التطور المهني، والذي يحدث بشكل خاص عندما تفشل جهود الشخص في تحقيق النتائج المرجوة”.
نتيجة الضغوط الحياتية والمجتمعية التي نعيشها وما يرتبط بها من ظروف اجتماعية واقتصادية وغيرها من الضغوطات وغياب الدعم والإنصاف والمساواة يرى البعض الاحتراق الوظيفي رد فعل طبيعي على ذلك بالإضافة لمجموعة من المؤشرات أهمها عدم الرغبة بالعمل وفقدان الدافع وغياب الحافز واعتبار العمل شيئاً روتينياً يومياً يفقد الشخص الرغبة في التطور أو الإنجاز ويكون له أيضاً ارتباط نفسي يجعل الشخص يشعر بالضيق والغضب عند التوجه لعمله.
للاحتراق الوظيفي مجموعة من الأسباب لعل أهمها عدم الرضا الوظيفي كونها لا تتناسب مع الشهادة أو القدرات بالإضافة إلى أن تدني الأجر الشهري الذي لا يتناسب مع حجم الإنجاز كذلك العلاقة مع الإدارة من أهم أسباب الاحتراق الوظيفي و عبء العمل وسقف التوقعات المرتفع والعمل الروتيني والتغيرات في الحياة الشخصية والضغوطات المنزلية والأسرية تنعكس على العمل والعكس صحيح.
في بحث حول الاحتراق الوظيفي، لخّصت جامعة ولاية وينونا في الولايات المتحدة الأمريكية مراحل حدوث الاحتراق الوظيفي على الشكل التالي تبدأ بمرحلة شهر العسل والشعور بالرضا الوظيفي والإبداع والنشاط والحيوية، ثم تأتي المرحلة الثانية “الموازنة” التي تفقد خلالها الوظيفة بريقها وهي تكون على عكس التفاؤل الجامح والإيجابية المفرطة التي تتميز بهما المرحلة الأولى في المرحلة الثالثة تبدأ أعراض الإجهاد المزمن في الظهور، فتشعر بالتوتر وعدم الارتياح تجاه أيام العمل كذلك قد تشعر بالاكتئاب أو الشك بأن الأشياء يمكن أن تتغير. في المرحلة الرابعة تبدأ بالشعور بالأعراض العقلية والعاطفية والجسدية للاحتراق الوظيفي، تتخطى العمل أو تمارس التسويف أو تُفوت المواعيد النهائية بأي طريقة. أما المرحلة الخامسة فتتمثل في أن يصبح الاحتراق الوظيفي مُتمكناً منك ومُحاصراً لك.
في الختام مثل أي مشكلة عندما نشخّصها بالطريقة الصحيحة ومعرفة الأسباب الحقيقية بالتالي نستطيع الوصول إلى حلول حقيقية وواقعية فعند حدوث أي مشكلة فإنها غالباً لا تصيب المرء فجأة بل تحدث تدريجياً وتكون الأعراض خفيفة نوعاً ما، لكنها تزداد شيئاً فشيئاً ومن هنا تبدأ رحلة العلاج وكلما تأخرنا في ذلك كلما قلّت فرص الشفاء لذا يتوجب علينا متابعة الأعراض والعلاج منذ المراحل المبكرة العلاج يكون حقيقياً واقعياً علمياً وعملياً.. يوجد تقاطع كبير بين الاحتراق الوظيفي والرضا الوظيفي والعلاقة بينهما عكسية أي كلما زاد الرضا حكماً قلّ الاحتراق والعكس صحيح.