الملحق الثقافي – هادي دانيال:
عينايَ على رمادِ العالَمِ
وأذناي إلى بيانو موزارت
لقد كان وايْتْمَن استثناءً يا أميركا
بِنَهْدَيْنِ عاريين إلّا مِن نَمَشٍ خلّفتْهُ مناقيرُ الغربان
وحزامِ عفّةٍ مِن جلودِ قرابينَ دَمُها لم يَيْبَسْ بَعْدُ على جنازير أبرامز وباتون وعجلات الهَمَر،
وأنشوطةٍ مِن ضفائر الهنود الحمر
بنهدَيْنِ وحزامٍ وأنشوطةٍ تروّضينَ أسودَ الرّافدَيْنِ
وأنتِ تُدرّبينهم على تمزيق شريعة حمورابي
والانحناء الرشيق لتمثال الحريّة
هنا وهناك
حيث لا شيء غير الدم والريش
في غابة الإسمنت من غوانتنامو إلى أبي غريب!
عينايَ على بكْر الحضارات / صنعاء التي تجمع أشلاءها
ملفوفةً بورقةِ قاتٍ تَقَلَّصَتْ إلى حَجْمِ الضمير البشريّ
وأذناي إلى كمنجات فيفا لدي
ولا طَيْر أبابيل تُمَزِّقُ بمخالبِها الفولاذيّة
جثّة الخرافة المُعَطّرَةِ بالتأويلات الرخيصةِ
فقط حجارةٌ تُرمى هكذا بعيداً عن القواعد العسكريّة لِمناة والعزّى واللات وهُبَل، تلك المغمورة بظلال طائرات الفانتوم وهي تُحَلِّق باسم الله والمَلك.
يا لعروبتنا المغناج في سرير التاريخ الفحل
تلك الكثبان مؤخّرتها
ولا عشب في ملتقى فخذيها
جسدها الناعم ملتقى الأفاعي في مهرجان فحيحٍ أزليٍّ أبَدِيّ
ومِن سرّتِها حَبْلُ ذئابٍ يتدلّى إلى عواءٍ في بئرٍ مُعَطَّلَةٍ
وَنَحْنُ الذينَ صَفَقْنا خَلْفَنا بابَ مُستَقْبَلٍ بلا عَتَبَة
نُحدِّقُ بعيونٍ مُطْفأةٍ إلى سرابٍ يقُطر حبّاتِ نَدىً يتلألأ ولا يصل إلى الشفاه اليابسةِ،
ونُراهِنُ على خيولٍ نَفَقَتْ منذ قرونٍ، مُتّكئينَ إلى ظلالِ أسلافٍ يجولونَ يائسين في الصحراء ذاتها.
والفلسطينيّ مِنّا كَمَن يَنْتَعِلُ جَبَلَيْن
ويمشي على صِراطٍ مُتَعَرِّجٍ في نَفُقٍ كَونِيٍّ
إلى سراب.
الليلُ الأميركيّ ما فتئَ يئدُ فَجْرَ البشريّةِ ببارجاتٍ تَمْسخ المحيطات إلى ثكنات «مارينز»، ويعتصرَ خصيتيَّ «بوكوفسكي» في مهبلٍ يتقيّأ «بوكو حرام».
ليلٌ مُضَرَّجٌ بدماء أطفال العالم مِن هانوي وسانتياغو إلى طرابلس وجنين، مِن بغدادَ وبلغرادَ ودمشقَ إلى كييف..
ليلٌ عايَنَ فيهِ «أمل دنقل» مَقْتَلَ القَمَرِ وهو ينتحبُ بينَ يدَيّ زرقاء اليمامة ويصرَخُ في الجرح المفتوح الملتهب : لا تصالِحْ!.
ليلٌ ما انْفكَّ يدلهمّ كي يقطع (بالحروب التي تتوالد كالأرانب) على شمْس السلامِ طريقها، ويطغى هدير الفانتوم على هديل الحمام.
نحن أبناء العشب والزيتون والأنهار التي تعبر التاريخَ، نصغي إلى «تشوا تشين» مُغَرّداً أنّ السلام مقبرة أميركا:
قواعدها العسكريّة عبْر العالم تنقلب إلى إسطبلات بعيرٍ ومراحيضَ عامّة.
بوّاباتُ مصانعها الحربيّة تُقْفَلُ بالشّمْع الأحمر.
بُنوكُها صناديقُ فارغة إلّا من العناكب.
ملايين الأميركيين من العاطلين عن العمل يتثاءبون في الشوارعِ المتجهّمة بين ناطحات السحاب، نافثينَ من مِعَدِهِم الفارغة روائح الجوع الكريهة.
وتلك الممالك والأمارات التي أدمنت تلميعَ الحذاء الأميركيّ بغتراتها ودشاديشها سيقتلها الحنين إلى مازوشيّة عريقةٍ وهي تتسافد ضجراً حول الآبار الفائضة عن حاجة العالم الجديد.
وأنا الأوغاريتيّ مَحْدُوّاً بأملٍ غامضٍ ولحْنٍ قديمٍ
عينايَ على مقبرة يعلوها عشبُ والت وايتْمَن
وأذناي إلى بيانو شوبانَ الحالم وجمال تشايكوفسكي النائم بعدَ يأسهما من ضجيج المركب الشبح وعبث الزورق السكران!.
*تونس- المنار الثاني، 9تموز7جويلية2023
العدد 1153 تاريخ: 1/8/2023