يتمتع المرء بطاقات وملكات لها مكانتها وجمالها وتأثيرها الفعلي في مسيرة حياته، فإن استخدمها قولاً وعملاً عاش في بحبوحة من الهناء والسعادة الغامرة التي يحسده عليها الكثيرون الذين فشلوا في تحقيق تلك الغايات المرجوة.
وإذا دققنا ملياً في الموضوع وجدنا القيمة الفعلية للحرف الذي نتلفظ به ونحاكيه في عقولنا وقبل أن نحكيه أمام الآخرين، ومن هنا تأتي أهمية الحرف في لغتنا العربية فنستطيع أن نشكل الكلمة بشكل صحيح ونطلقها من أفواهنا ومن خلال هذا الاختبار للحروف فيمكن لنا أن نوفق ونسعد ونسعد للآخرين وإما أن يكون ذلك وبالاً علينا وبالتالي فالنتائج لا تحمد عقباها، فكم من حروب في التاريخ اشتعل أوارها وتأججت وأكلت الأخضر واليابس نتيجة كلمة قاسية غير لائقة مثل حرب داحس والغبراء التي استمرت أربعين عاماً.
وهنا تأتي أهمية الغوص في أعماق الحروف لاختيار الكلمة المناسبة المقنعة لما نريد تحقيقه، فكم من أناس فقدوا وظائفهم وتجارتهم وعملهم لعدم استخدام الكلمة المناسبة التي هي السحر في حياتنا فالحكيم من استطاع الوصول لمرامه وهدفه بقليل من الكلام الصائب وقال أهل العلم “إما أن تقل خيراً أو تصمت” وقالوا: “النطق زين والسكوت سلامة”، فإذا نطقت فاختر ألفاظك، فاختيار الألفاظ مطلوب وبقوة.
وكم قال العوام “الملافظ سعادة” نعم سعادة للشخص المتكلم وللآخرين، فالتنقيب عن الحروف مسألة جد هامة، فكم من قصيدة شعرية حروفها منتقاة بعناية أخذت موقعها المتميز وحازت الإعجاب والعكس هو الصحيح والأهم في الكلام واختيار الحروف هو الإيجاز نعم الإيجاز في التعبير لذلك قالوا: “الإيجاز هو الإعجاز”.
والحكمة تقول: “قل لي ماذا تريد دون إطالة لأجيبك” وختام القول كلما أبدع المتحدث أو الخطيب أو المحاضر وانتقى الكلمات المعبرة دون إسهاب كلما كان تأثيره أوقع في القلوب ويتمنى المتابع له كل التوفيق والنجاح.
وزبدة القول الغوص في اختيار الحروف حرفة ومهنة لا يتقنها إلا الأذكياء الذين عقلوا عما يريده المتلقي.
جمال الشيخ بكري
