ذاكرة…الشاعر السوري بابريوس: أوّل من أورد الحكمة على ألسنة الحيوانات

الملحق الثقافي- علي حبيب:

أينما يممت وجهك في الثقافة والإبداع والحضارة ثمة بصمة سورية، منذ أن كانت الحضارة التي أبدعها السوريون، الحفر في التاريخ والتنقيب عما تم تجاهله من تاريخنا انبرى له مفكرون كبار، ومنهم الدكتور إحسان الهندي الذي كتب تحت العنوان السابق قائلاً: كلنا قرأنا كتاب ابن المقفع «كليلة و دمنة»، وبعضنا قرأ القصائد التي صاغها الشاعر الفرنسي»لافونتين» بالفرنسية أو مترجمة إلى العربية، واستمتعنا بالكتابين معاً بالرغم من أنهما كتابان منقولان وليسا أصليين، حيث إن الكتاب الأول منقول عن عدة كتب آرامية (1) وهندية أو فارسية، بينما الكتاب الثاني منقول في أغلب (حكاياته الخرافية) FABLE عن كتاب للشاعر اليوناني «إيزوب ESOPE»، والشاعر السوري «فاليريوس بابريوس VALERIUS BABRIUS».
ولد هذا الشاعر السوري في مدينة أفاميا السورية أواسط العهد الهيلينيستي خلال القرن الثاني قبل الميلاد، وقد ضمن قصائده كثيراً من الحكم الفلسفية الواردة على ألسنة الحيوانات والنباتات بل والجماد أحياناً.
ومن الأمثلة على النوع الأول قصيدته «الصرصار والنملة»، وعلى النوع الثاني قصيدته :»شجرة البلوط ونباتات القصب»، وعلى النوع الثالث قصيدتاه:»المصباح» و» الخرج»، وقد يفحم بني الإنسان في قصائده أحياناً كم هو الحال في قصيدة»الصياد و السمكة الصغيرة»، وكان جملة ما نظم بابريوس من قصائد 123 قصيدة تحوي جميعها حكماً فلسفية عميقة، وهي من حيث مبناها ومعناها على درجة عالية من المهارة إلى درجة جعلت الشاعر الفرنسي جان ده لافونيتن، الذي عاش بعده بنحو ثمانية عشر قرناً، لا يتورع عن النقل عنه، ولم يقتصر نقله على الأفكار والحكم الفلسفية واختيار الجنس الناطق بها (حيوانات, نباتات, جماد إنسان), بل امتد النقل أحياناً إلى عنوان القصيدة وبعض ألفاظها كذلك, ويظهر ذلك في قصائد» الصرصار و النملة LA CICALEET LA FOURMI «وفي قصيدة» الخرج AL BESACE « (3) , وفي قصيدة :» شجرة البلوط و نباتات القصب LE CHENE ET LE ROSEAIL « فهذه القصائد وكثير من أمثالها توجد في ديوان « بابريوس « وفي الكتب التي نظمها » لافونتين « معاً .
– و لكي لا يقال: إننا نسوف الكلام على عواهنه، أو أننا نتعصب لشاعرنا السوري، سنورد فيما يلي ترجمة لقصيدة » الصرصار و النملة « كما كتبها بابريوس باليونانية، ثم كما أوردها لافونتين بالفرنسية تحت العنوان ذاته LA CICALEET LAFOURMI»
1) يقول بابريوس في النص الثاني نظمه في القرن الثاني قبل الميلاد
» كان هناك نملة
تقوم في وسط الشتاء
بجرّحبات من القمح خارج حجرها
لكي تهويها
بعد أن خزنتها طيلة
أيام الصيف الحارة.
رأها صرصار جائع جداً
فرجاها أن تعطيه حبات يسد بها رمقه
فقالت له النملة:
– ماذا كنت تفعل في أيام الصيف الجميل ؟
وأجابها الصرصار:
– لم أكن نائماً
بل كنت أقضي الوقت بالغناء!
فضحكت النملة منه ، و ضمت حبة القمح إليها وقالت:
– لقد كنت تغني طيلة فصل الصيف ,
وليس أمامك يا عزيزي الآن ,
خلال فصل الشتاء إلا أن ترقص !
الحكمة :من المهم إذاً
أن نقوم بأداء الأعمال الضرورية في وقتها
بدلاً من قضاء أوقات الفراغ
في الملذات و الأشياء التافهة « (5)
> > >
2) ويقول لافونتين خلال النص الذي نظمه تحت هذا العنوان ذاته في القرن السابع عشر بعد الميلاد:
لقد كان الصرصار يغني طيلة فصل الصيف
ولهذا أصبح معوزاً عندما هبت رياح الشتاء ,
حيث لا يحوي حجره و لو ذبابة أو دودة صغيرة.
وكان أن لجأ إلى جارته النملة
شاكياً لها الجوع
وراجياً إياها أن تقرضه بضع حبات يسد بها رمقه
وسيردها إليها مع الفائدة،
قبل موسم الحصاد المقبل !
– لم يكن من عادة النملة أن تقرض الغير
ولعل هذا الأمر كان سيئتها الوحيدة.
لذا سألت الصرصار الذي يريد الاقتراض :
– ماذا كنت تفعل إذن طوال فصل الصيف؟
– لقد كنت أقضي الليل و النهار
بالغناء على أسماع الجميع
وأرجو أن يروق لك ذلك.
– كنت تغني ؟
أنا مسرورة لسماع ذلك منك،
وما عليك الآن إلا أن ترقص؟!
> > >
من مقارنة هذين النصين يظهر لنا أنهما يتشابهان ليس في العنوان الواحد فقط، و إنما في المعنى والألفاظ ، كما يظهر في نهاية كل منهما، من حيث شماتة النملة الجادة بالصرصار الكسول، والطلب منه أن يرقص بعد أن قضى فصل الصيف كله في الغناء والأمر اللافت أن مغزى هذه القصيدة قد انتقل إلى الحس العربي الشعبي المعاصر، حيث يقال في الإنسان الكسول: كان في أيام الحصايد عم بغني قصايد.

العدد 1155 –  15-8-2023  

آخر الأخبار
تفعيل مستودعات العنازة الأرضية مع بانياس الهوائية "الكهرباء" تغادر التجاري والمصارف الخاصة.. قوشجي لـ"الثورة": "المركزي" يبتعد عن دوره.. ومزيد من ال... التوثيق الحقوقي.. سلاح في مواجهة الإفلات من العقاب "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" نموذجاً.. إحصاءا... مرحبة بقرار "الأوروبي" رفع العقوبات.. الخارجية: بداية فصل جديد في العلاقات السورية – الأوروبية روبيو يحثُّ الكونغرس على اتخاذ خطوات تشريعية لجذب الاستثمارات إلى سوريا الشيباني: قرار "الأوروبي" رفع العقوبات سيعزز الأمن والاستقرار والازدهار     في ذكرى رحيلها .. وردة الجزائرية أيقونة الفن العربي الأصيل الاتحاد الأوروبي يقرر رفع العقوبات عن سوريا.. د. محمد لـ "الثورة": انتعاش اقتصادي مرتقب وتحولات جيو... دمشق  عمرانياً  في  تشريح  واقعها   التخطيطي  السلطة  السياسية  استبدت  بتخطيط   خرب   هوية   المدين... رش المبيدات الحشرية مستمر في أحياء دمشق  مجلس تنسيق أعلى سوري – أردني..الشيباني: علاقاتنا تبشر بالازدهار .. الصفدي: نتشاطر التحديات والفرص  مشروع استجرار مياه الفرات إلى حسياء الصناعية للواجهة مجدداً  شحنة أدوية ومستلزمات طبية من "سانت يجيديو" السورية للتجارة تتريث في استثمار صالاتها  أسعار السيارات تتهاوى.. 80 بالمئة نسبة انخفاضها في اللاذقية .. د. ديروان لـ"الثورة": انعكاس لتحرير ا... الفواكه الصيفية ..مذاق لذيذ بسعر غال..خبير لـ"الثورة": تصديرها يؤثر على أسعارها والتكاليف غالية   لقاح الحجاج متوفر في صحة درعا  إصلاح خط الكهرباء الواصل بين محطتي الشيخ مسكين – الكسوة تطوير المهارات للتعامل مع الناجين من الاحتجاز القسري  تحديات صحية في ظل أزمات المياه والصرف الصحي.. "الصحة " الترصد الروتيني ونظام الإنذار المبكر لم يسجل...