خميس بن عبيد القطيطي – كاتب من سلطنة عمان
قمة البريكس التي عقدت في جوهانسبرج بجنوب إفريقيا 22 – 24 أغسطس 2023م تعتبر محطة انطلاق فعلية لنظام عالمي جديد، هذه المجموعة التي تأسست رسمياً في روسيا عام 2009م بالإعلان عن تأسيس نظام عالمي ثنائي القطبية وضمت أهم خمسة اقتصادات عالمية صاعدة هي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا والتي تشكل 40% من نسبة السكان حول العالم وربع مساحة اليابسة وتساهم اقتصادات المجموعة بنسبة وصلت إلى 31.5% من الناتج العالمي متجاوزة بذلك مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى التي تسهم بنسبة 30.7% من الناتج الاقتصادي العالمي.
ويبرز مشهد الانطلاقة الجديدة للمجموعة من خلال الإعلان عن انضمام ستة أعضاء جدد من مختلف دول الجنوب العالمي هي الأرجنتين ومصر وأثيوبيا وإيران والسعودية والإمارات بحيث اصطلح على تسمية المجموعة بريكس+ ومع انضمام هذه الدول الاقتصادية إلى المجموعة ومن ضمنها أهم دول الطاقة في العالم إيران والسعودية سوف تمثل قوة اقتصادية ضاربة وستحقق انطلاقة عالمية.
وتنوي بريكس وضع سلة عملات للتعامل التجاري بين دول المجموعة وقروض ميسرة كما يؤمل أن تضم دولاً أخرى في المستقبل القريب بشكل منتظم ومتوازن حيث تقدمت 24 دولة بطلب رسمي للانضمام إليها وهناك 40 دولة لديها الرغبة بالانضمام إلى المجموعة، وبالتالي فإن الهدف الذي أنشئت من أجله هذه المجموعة يتجسد على أرض الواقع رغم بعض الصعوبات التي يحاول المحور المنافس ترويجها بالحديث عن نظم غير متجانسة في المجموعة أو هيمنة الاقتصاد الصيني عليها أو الحديث عن قروض غير مستدامة لكن هذه التنظيرات بطبيعة الحال ليست إلا محاولة تشويش للتقليل من أهميتها ومحاولة التأثير على الاهتمام الدولي للانضمام إليها ولاشك أن هذا التوجه العالمي للانضمام إلى مجموعة البريكس يمثل أكبر تهديد للنظام العالمي أحادي القطبية.
يتحدث البروفيسور ريتشارد وولف أستاذ الاقتصاد الأمريكي بشكل واقعي عندما يحذر الولايات المتحدة من هذا الواقع العالمي الجديد وتهافت الدول للانضمام إلى مجموعة “بريكس” رغبة في الانعتاق من الهيمنة الأمريكية والنظام الأحادي القطبية، واعتبر وولف أن الواقع الدولي سوف يفرز نظام عالمي جديد كما يلقي باللوم على بلاده بسبب ممارساتها الاستعلائية مع دول العالم الثالث وأسلوب القرصنة والسطو على أموال الدول دون وجه حق، وما ذكره وولف في الحقيقة هو واضح للعيان منذ أن تصدرت الولايات المتحدة المشهد العالمي أعقاب الحرب العالمية الثانية ولكن أمريكا ما زالت تعول على قدرتها في إحداث توازن مع التحولات الدولية بالنظر إلى قدراتها العسكرية والاقتصادية ونطاقها السياسي حول العالم واستمرار نفوذها، لكن تلك السياسة الأمريكية التي اعتمدت العصا والجزرة وممارسات واشنطن السياسية والاقتصادية والعسكرية هي السبب الحقيقي في تآكل صورتها وتململ المجتمع الدولي من قيادتها الأحادية وهذا الواقع لا يزيد دول العالم إلا إصرارا على الانعتاق من هذا النظام العالمي أحادي القطبية وهو ما يحدث الآن.
الوعي العالمي لاسيما في دول الجنوب يرتكز على حقيقة واحدة تقول أن عالم أحادي القطبية لم يؤسس للعدالة الدولية وهو نظام لا ينبغي أن يستمر في قيادة العالم وبالتالي هو معرض للسقوط متى ما توفر البديل المناسب، وبالفعل فإن شواهد الظلم والطغيان جاوزت الحدود منذ الحرب العالمية الثانية واستخدام القنابل الذرية مروراً بالكثير من التدخلات العسكرية حول العالم واستخدام البند السابع وقضية العقوبات الاقتصادية المستمرة حتى اليوم هو ما شكل حالة الرفض لعالم أحادي القطبية والبحث عن نظام أكثر أمنا وعدالة وتوازن في العلاقات الدولية وهنا برز الحراك السياسي الاقتصادي لمجموعة بريكس التي تشق طريقها لتشكيل نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب.
المسكنات الاقتصادية الأمريكية التي يزمع أن تقدم عبر قمة مجموعة العشرين أو قمة أمريكا مع دول الآسيان أو قمة السبع الصناعية الكبرى “خطة مارشال جديدة” كلها لن تغير من الواقع العالمي الرافض للأحادية القطبية وهذا التغير في المناخ السياسي الدولي بدأت بوارقه تلمع بشكل متصاعد لتشكيل نظام دولي جديد.
* المقال ينشر بالتزامن مع صحيفة الوطن العمانية ورأي اليوم