الثورة – ترجمة ميساء وسوف:
مدينة فلاديفوستوك الروسية ستستضيف المنتدى الاقتصادي الشرقي (EEF)، في الفترة من 10 إلى 13 أيلول، وهو حدث عام بالغ الأهمية ويُعتبر السمة المميزة لـ “محور روسيا نحو الشرق”.
لقد أعلنت موسكو هذه السياسة الطموحة منذ ما يزيد قليلاً عن 10 سنوات، عندما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أحد خطاباته عن تنمية الشرق الأقصى للبلاد وتكامله مع السوق العالمية كأولوية وطنية للقرن الحادي والعشرين.
منذ عام 2015، يجمع المنتدى نفسه سياسيين روس وأجانب، بالإضافة إلى قادة الأعمال والعلوم والتعليم والمجتمع المدني.
وقد حضر المؤتمر عدة مرات زعماء أكبر الدول الآسيوية، الرئيس الصيني شي جين بينغ، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، ورئيس الوزراء الياباني الراحل شينزو آبي، وبطريرك السياسة الآسيوية مهاتير محمد من ماليزيا.
بمعنى آخر، اتخذت روسيا وشركاؤها الإقليميون الرئيسيون دائماُ موقفاً جاداً في نهجهم تجاه خطط موسكو الكبرى لدمج الاقتصاد الروسي مع النظام السياسي والاقتصادي الضخم والمتنوع في آسيا.
بالنسبة لروسيا نفسها، فإن تطوير العلاقات مع الدول الآسيوية والتواجد في هذه المنطقة لم يكن أبداً أولوية، ويرجع ذلك إلى عدة أسباب، كل منها خطير بما يكفي لنقل الشرق إلى المركز الثاني أو الثالث في قائمة أولويات السياسة الخارجية الوطنية. أولاً، قبل 500 عام، تمكنت موسكو من حل أهم المهام في ذلك الوقت، التحرر من التهديد الذي يشكله بدو السهوب في الشرق، منذ ذلك الحين لم تعد هذه المنطقة مهددة من حيث الأمن، وحتى الصدام مع اليابان في أوائل القرن العشرين، والذي كان يُنظر إليه باعتباره صفعة خطيرة، ولكنه لم يكن بالنسبة لروسيا أكثر من مجرد صراع استعماري لا يمكن أن يشكل تهديداً لسلامة أراضي الدولة.
وقد اختفى هذا التهديد منذ هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية، حيث أدت مشاركة الاتحاد السوفييتي في هزيمة طوكيو في آب 1945 إلى حل المشكلة اليابانية تماماً.
على أي حال، قد لا يأتي الخطر من طوكيو، بل من واشنطن التي تسيطر عليها.
ثانياً، في المجال الاقتصادي، كانت روسيا دائماً على اتصال وثيق بأوروبا والغرب ككل. وهناك، ساهمت الجغرافية نفسها في تعزيز التعاون والتجارة، لدرجة أنه حتى العداء المستمر تجاه الروس من جانب الأوروبيين أنفسهم لم يتم كسره. وبهذا المعنى، فإن أوروبا هي عكس آسيا في النظام الروسي للعلاقات الخارجية: لقد كانت دائماً تشكل تهديداُ، ولكن كان من الأسهل تطوير علاقات وثيقة خلال الفترات التي تعقب توقف الحروب الدموية.
أخيراً، لم تكن مناطق روسيا نفسها المواجهة لآسيا مأهولة بالسكان أو ذات أهمية كافية في النظام الاقتصادي للبلاد، بينما، على سبيل المثال، في الولايات المتحدة، يتيح المناخ الملائم للساحل الغربي لها “التمسك” بشواطئ المحيط الهادئ في وقت واحد عبر عدة مراكز حضرية كبيرة.
كل هذه العوامل جعلت الاهتمام بالاتجاه الشرقي ثانوياً بالنسبة للدولة الروسية، إن الإرادة السياسية غير العادية والتغيرات الأساسية في موقف روسيا في الشؤون العالمية هي وحدها القادرة على عكس هذه الموانع الموضوعية.
وكانت آسيا نفسها، حتى الخمسين سنة الماضية، لم تكن تمثل جزءاً مهماً من النظام الدولي، حيث قامت معظم الدول الموجودة هناك بحل مشاكلها التنموية الأساسية وركزت على التكامل مع النظام العالمي الليبرالي الذي تقوده الولايات المتحدة. وفي المقابل، فإن واشنطن، باعتبارها قوة مهيمنة، لم تساهم أبداً في إقامة علاقات أفقية بين الدول التي تعتبرها مهمة لمصالحها الوطنية الخاصة.
في الواقع، قد يمثل العام ونصف العام الماضيين نقطة تحول في العلاقات بين روسيا وآسيا. بادئ ذي بدء، أصبح تعزيز العلاقات مع القوى الإقليمية واقتصاداتها بالنسبة لموسكو نفسها ليس خياراً بقدر ما هو ضرورة، وقد أدت رغبة الغرب في إلحاق هزيمة اقتصادية وعسكرية بروسيا إلى تمزق سريع في العديد من العلاقات بينها وبين الدول الأوروبية، وتقليص الاستثمار، وتباطؤ خطير في التجارة الدولية.
في ظل هذه الظروف، تحتاج روسيا حقاً إلى تطوير العلاقات مع آسيا، حيث تحتل دولة واحدة فقط، اليابان، مواقف مماثلة للولايات المتحدة وحلفائها في الناتو.
وفي الفترة 2022-2023، زاد حجم العلاقات التجارية والاقتصادية بين روسيا والدول الآسيوية بشكل ملحوظ، وأصبحت فلاديفوستوك إحدى “البوابات” الرئيسية للسلع الروسية إلى الأسواق العالمية.
علاوة على ذلك، وفي سياق الاضطرابات العالمية المتزايدة، تهتم الدول الآسيوية نفسها بالتجارة النشطة مع روسيا والانتقال تدريجياً إلى التسويات بالعملات الوطنية.
لا تزال آسيا شريكاً صعباُ وغير معروف لموسكو في كثير من الأحيان، ولكن الآن، ولأول مرة في تاريخ روسيا، نشأت ظروف موضوعية تجبرنا على التوجه نحو الشرق.
المصدر – منتدى فالداي