عزة شتيوي:
هي الرمال السياسية والميدانية المتحركة في المناطق الشرقية والشمالية في سورية بدأت تبتلع المشاريع الأميركية وتهدد وجود احتلالها بانتفاضة شعبية للعشائر في وجه الميليشيات الانفصالية “قسد” التي راهن عليها الأميركي حتى باتت الورقة المأزق في يده لا يعرف هل يمزقها أم يرميها أم يحرقها أو يراوغ فيها.
أمام هذه المفاجأة الكبرى لواشنطن بانتفاضة العشائر العربية ضد ميليشيات “قسد” الانفصالية انطلاقا من ريف دير الزور وحتى الجزيرة السورية وصولا لريف حلب وتلاقيا بما يحدث في كركوك العراق، ثمة ما يجعل عيني الأميركي تشخصان، فهده المعارك قد تبدأ بطرد “قسد” وتستمر لتصل إلى الذقن الأميركية المحتلة وتركلها خارج سورية .
ثمة عوامل عديدة وكثيرة أدت لهذه الانتفاضة من العشائر العربية ضد “قسد”، أولها وأهمها أن الأميركي حاول إدارة مشروعه الاحتلالي في سورية بطريقة متوحشة وظالمة وصلت حد تفصيل المشروع الانفصالي لقسد على قياس العشائر العربية وفي مناطق تواجدها دون أن يأخد في الحسبان أن لهذه العشائر بعدا عربيا وقوميا يرفض التقسيم ولا ينسجم مع مشروع “قسد” الانفصالي، وقد تكون أميركا مجبرة على الرهان على “قسد” لأنها تنسجم مع مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي سعت له واشنطن في المنطقة، ولأن الانفصاليين لديهم مخطط وأحلام انفصالية قد يذهبون مع الأميركي حيث يريد لأجلها، وهذا لا يتوفر في العشائر العربية التي ترفض بتاريخها العربي الأصيل كل المشاريع الاستعمارية وقاتلت تاريخيا ضدها.
العامل الأكثر أهمية والذي أدى لهذه الانتفاضة هو الممارسات غير الأخلاقية والظالمة بحق العشائر العربية من قبل ميلشيات “قسد” ومن ورائها أميركا، فقد تصرفت هذه العصابات الانفصالية على أنها تملك الأرض وثرواتها، فحرمت العشائر من كل مقومات الحياة وهي تستقوي بالأميركي على أصحاب الأرض، واستباحت الثروات التي هي ملك لكل الشعب العربي السوري، وسرقت القمح والغاز والنفط أمام أعينهم، ووصلت حد إجبار أبناء العشائر على الالتحاق بميلشيات “قسد” فكانت انتفاضة العشائر شرارة في هشيم المشروع الانفصالي وهي اذ تم ترصيفها تشكل فعلا حقيقيا وليس ردة فعل.
فالتوقيت الذي اشتعلت فيه هذه الانتفاضة له مؤشراته وبيئته الوطنية والإقليمية وهو يتزامن مع النداءات من داخل النسيج السوري ومن صلب مقاومته لضرورة إخراج المحتل الأميركي الذي يسرق ثروات الشعب السوري ويفرض العقوبات الاقتصادية التي تخنق وتحاصر لقمة عيش السوريين.
كما أن هذه الانتفاضة تأتي في ظروف المصالحات السورية العربية وخاصة مع السعودية ودول الخليج التي يصل امتداد وصلات العشائر العربية في سورية إليها وهذا عامل مؤثر وله ثقله فيها.
قد تحاول واشنطن استثمار ما يحدث من معارك بين العشائر العربية و”قسد” لصالحها والبحث عن بدائل لأوراقها الانفصالية من داخل تلك العشائر وهي في ذلك قد تحقق هدفين، الأول محاولة اختطاف هذه الانتفاضة وإيجاد البديل عن “قسد” المرفوضة شعبيا في دير الزور والجزيرة السورية كفكرة انفصالية وكممارسات عنجهية، أما الهدف الثاني فهو إغراء تركيا بالتخلي عن الورقة الكردية أميركيا في سورية وهو ما كان يأخذه اردوغان على الأميركيين ويتذرع به للجلوس على طاولة الروس وعلى طاولات المؤتمرات السورية في أستانا وسوتشي وغيرها، حتى وصل حد عرض المصالحة على السوريين وان كان لم يثبت نياته وبكشفها حتى اللحظة .
قد تخطىء واشنطن في حساباتها هذه مرة أخرى، فالعشائر العربية تنظر للأميركي كمحتل وليس لديها مشاريع انفصالية أو مشاريع يستثمرها المحتل الأميركي، لديها مشروع سوري واضح بطرد الانفصاليين ووحدة وسيادة سورية، ولديها مطالب محقة بالعيش الكريم، وأهم العوامل لتحقيق مطالبها ومطالب كل السوريين هو إخراج الأميركي الذي يحتل الأرض وينهب الثروات ويسرق القمح ورغيف الخبز .. تصرخ واشنطن وتطلق التحذيرات بأن الدولة السورية وحلفاءها قد يدعمون هذه الانتفاضة التي من المؤكد أنها ستنجب مقاومة شعبية كبرى في وجه المحتل .. ولهذا فإن الشعب السوري يدعم كل خطوة وصرخة في وجه المحتل الأميركي الذي يبدو أن ساعة رحيله بدأت تدق بالفعل.