تمر أخبار الضبوط التموينية اليومية التي توثقها دوريات حماية المستهلك بشكل عابر، لأنها باتت جزءاً من يومياتنا الحافلة بالتفاصيل غير التقليدية.
إلا أن من يخصص بعض الوقت لقراءة ومتابعة مابين السطور، سيستنتج أننا وصلنا إلى موقف مقلق لجهة ” الأمان الاستهلاكي” إن صح التعبير، لأننا أمسينا في سوق لم يعد يعترف بعض تجارها بأي من أدبيات الأخلاق مهما كانت بسيطة اعتيادية.
الغش والتدليس والسعي المحموم لجني الأرباح ولو كان على حساب صحة المستهلك وحياته، لم تعد محرّمات في أعراف من انحدرت بهم طموحات الربح إلى درك متدن غير مسبوق.
الفروج النافق يضبط على أيدي دوريات وزارة التجارة الداخلية، وهو قيد الإعداد للاستهلاك البشري، بكل مافيه من سموم وأمراض وأذية مباشرة لصاحب الحظ العاثر الذي سيشتريه، أما ” أشباه الألبان والأجبان” فكادت أن تكون عرفاً لولا عشرات المباغتات والضبوط اليومية..وسلسلة طويلة من الأغذية المغشوشة متغيرة القوام والمتحولة من غذاء إلى سم في الدسم..
نحن على يقين من أن ما يُضبط أقل بكثير مما لم يضبط، بما أنه يستحيل تخصيص عنصر رقابة لكل متجر أو مشغل أو قبو مظلم تجري فيه عمليات الغش، في زحام حمى انتشرت عدواها، عنوانها الغاية تبرر الوسيلة..مهما كانت الوسيلة.
مجريات لا إنسانية ولا أخلاقية بكل معنى الكلمة، لايمكن التعويل في كبحها على الأخلاق والضمائر، فنحن أمام قضايا من مرتبة مصيري تتعلق بصحة وحياة المستهلك.
وممارسات لاتنفع معها العقوبات التقليدية من طراز غرامة أو إغلاق، ولن تكفي “جيوش” من الرقابة للإحاطة بها، رغم الكم الهائل من الضبوط والمخالفات التي تسجلها الدوريات، و أسلوب التكثيف الذي تتبعه الوزارة اليوم في تنقية السوق من الشوائب.
لذا قد يكون آن الأوان للبدء بنشر قوائم سوداء بأسماء المتاجرين بصحة الناس “حالات الغش الغذائي المتعمد”، وهي طريقة تكفي للقضاء على اسم تجاري ملوث وتقويض مستقبله، وبالتالي هي من أشد العقوبات الرادعة التي تتكفل بأن يعد من تسول له نفسه المخالفة للألف قبل أن يغامر..
إن كان ثمة مانع قانوني يحول دون تعميم هذه الوسيلة الرادعة، فلا نظن أن هناك مايمنع من التعديل ومواءمة التشريع مع الضرورات الملحة…لأن صحة المواطن أهم بكثير من مصلحة تاجر أو صناعي أعمته غايات الربح.
نهى علي