الملحق الثقافي- بادر سيف :
صوت المدينة هدوء الغياب
قشرة قمر تحط على لحاف النهار
وفي اللحظات الهشة
يجمع قطع القيثارة
منهك كان
يشبه اللهو بحركات ضعيفة
في صمت الخواطر يجثو في صينية
الحديث
يبكي السر المثنوي
ليستفيق على دمعة الآذان
صوت المدينة، حديث النهار
قباب الألوان المتكسرة على صخر الدهشة
قال لها ستلد حباً يغدو عبثية الأقدار
شيء من شحوب الغروب
يحيط برقبة النهايات
يرسم لحظة هاربة من مربع الفجر
وجـــــه
شفاه مزهرة
يبيع الخروج إلى سطح الزبد المتلوي
في قارعة الخطوات
يرسم لوناً للريح و عبارات التأسي
يرسم نهاية الشوارع
صارية العرفان
يتكشف بقية الوجود القلقة
دائم البحث دائم البحث
عبثا يقطف زهرة يسميها قافية الماء
يدفنها كم الأرض
و ينام مرتاح البال
لا بل ينهض يدور حول ظله، يحمل صوت المدينة
على خشبة الصعود إلى سراديب
الخشبة
بلا زاد يحدث حاضره الثابت وتداً في مربط
البعد، يستسلم للون الدروب
ليس له هدف
سوى لملمة شتاء عابر بين الكلمات
ينصت إلى خطا البعد
ماذا يفعل هذا المد في جزر حياتي؟
أنهكني الانتظار
و صوت المدينة
هناك الخطا لا تخشى نهاية الظلام
بداية الربيع و البراعم
حين يحط الكحل ليضيء أزمنة الكلام
كل شيء يغيب مع إطلالة الفكرة
تهاجر النسمات إلى روابي الظن، تلسع بتلات النسغ
ترسم عليها أكاليل غسق
ربما أحبك في موعدنا الآتي، كالدمع شراء و بيع
ربما الجوارح تتمرس شقوق الصخر
صخب في الرؤى، يتخذ معنى
الشتاء
في المدن المنسية، لا التاريخية
بابل ، بغداد، سر من رأى، أقصد خربشات الأغاني
زمن الوصل
عيون العذاب
هذا الجنون الذي يلطخ السحاب
بأماني تضحك جدران الأسى
يرسم برعماً على هيئة الوردة، يلسعه
يأمره: تحرك، دب، كن
ما لا يقدر عليه و لا يجب
يمر طير فوق النوافذ المهشمة
يلهو بغبار النساء و زبد الراحة
يوشوش برك النذر و الكوابيس المكسورة
تلك ركبة المدينة
ساق الله
حلم يشرب بسؤر القمر شيئاً من لذة الإنس
بينهما مأساة الأرض
ابتلاء بأناس يقفون على قدم واحدة
يتسمرون على عذوبة الزمان
-كل شيء مآله بداية
و النشأ حجر يهترئ بفعل أحد
يخفق قلب الزمان، بعداً نائماً في زاوية الأوهام
أما السنين فسحب ذاتية التكوين
جيل فجائي
يهاجر من مواسم الغبطة إلى لغط الحب
و ضلال اللذة
كل شيء بمقدار بقاؤه مرتسماً على ممحى الكلمات
— عندما أرى ظلي، طرف منه
أوقد ناراً في هندباء الماضي
أوقظ القطط المتشردة و الحشرات الضارة
أوزع عليها زمناً شهيداً من نثار المستقبل
تلك هي أبواب المدينة المتسكعة في دماء
العدم المنشد
ومشاهد الجماد
تتردد على أنغام القلب، تزوده بأوكسير الهجر
و المتاعات البعيدة
دروب
هناك شحوب
و نخيل المدينة مصائر فتية تتلو آيات
التدافع نحو النصر
و الانكسار
هناك جيوب
أيها الشقي العابر لمصائر الأدراج
علب التاريخ
ملأت الشوارع شهداء ثم نكست راية المضيق
كيف لك أن تعبر المدينة حافياً
و أنت من صلب الحاضر المشنوق
كيف لك تخطي عتبة التاريخ وزنزانة
الأبجدية
دم ارجواني و غبار، أعاصير، شتاء مهرول
يسكن حصان الشب
يكسر برتقال السياحة و النياحة
و الذهول
دم بلد الرياح
يصغى إلى حشرجات الفجر الرابض في أنفاس الليل
يحب بكائيات محمد الماغوط
ايروتيكا انسي الحاج
أما جمانة حداد فقد وهبت نفسها للوحش
و مما يذكره من أحاديث الدروب المتصلبة
أنشودة المطر
لاعب النرد
و الحب في زمن الكوليرا
كذلك التحول و الجنرال لا يراسله أحد
أجمل شيء أن تعبد إلاه
دونه تبقى جملاً تائهاً في صحارى التفكير
يجمع الخشب المقوس يصنع منه مرجلاً
لتبغ الكهانة
يذهب باكراً إلى مقاصد الشك بيدين فارغتين
يعود إلى مرقده مزود بهندسة الخداع
وفي القلب نظرة علية، يرسل أشعة خجولة
ينعقد حول لسانه سؤال الكينونة
يهب وجوديته قسوة الخزف
يحب أيضاً منمنمات السيدة باية و تراتيل ايسياخم
وفي أعماقه الفاجرة المهاجرة
يرتاح لحبل هيغل
لايبنيتز و سبينوزا
لكنه يحب البحر أكثر
يرتل قصار السور كلما لاح صوت المنادي
يلهو بفروة الرأس ينهال على عوالمه
بأغصان الكمال
يهشم الورق الأزرق خامات الخجل
،،، صوت المدينة
تلك الرحلة إلى مسارب الكون، لحاء خاتمة النهج
نهج الاخضرار و السكر على حافة السقف
مأخوذ بفتنة أسعد الجبوري و بساط سعدية مفرح
لكنه يعود منهك الجبين كلما اكتفى بدرس الحرية
مع بول ايلوار
يقبض برعشة دقيقة لحظة الاقتراب من الأستاذ فاروق شوشة
و أمير تاج السر
يأخذ أساوره المنمقة بسرعة مع نجيب
يوسف إدريس
و عبده وازن
يريب تعاليم الأنفاس مع مقاطعات قاسم حداد وما تشتهيه مذابح ايليوت
يرسم بتماهي غيوم الذهول
كلما داهمت أنامله ملاسة بيرل بيك
مايا أنجلو ، طاغور و تشيسلاف ميلوز
لا يحب التغير و التحول
دون الرجوع إلى حبل السرة و لبن أمه
تلك المسكينة
تأنف صور ديك الجن و مجنون ليلى
تظنه يكلم خيوط حذائه
بينما يبيح للنسيان مصائر الخيل العابرة
تبتسم
لا يبقى من مرسم الرموش سوى يسارات النوافذ
صوت المدينة، عمود فقري رخو
تيجان لعرائس البحر
وشم هيروغليفي
على أجندة الأيام المحترقة
مرآة تنام على جفن الخطا
تحيك الفرار من عجلة الآلة المندسة في رحيق الآتي
أجنحة النهاية
نذر الجدة الملتهب في قسوة الأيام
أبيض و أسود التاريخ العابر لدولاب اللذة
وفق أبعاد خلاسية
يتدفق مستلذ بشواظ النازحين إلى الضياع
يغدو لهباً مقدساً
و تمائم خمرية صنعتها شمائل يانيس ريتسوس
و عزائم المتنبي
يحمله صوت المدينة في رحلة شمالية
إلى بياض الحلم و دشم الليلك
يتوجس الزمن القابع في ترانيم محمد صغير أولاد احمد
يفلح كثيراً في فض الأضرفة
المهملة على شواطئ درب الدباغين
يهجر مطاط الكعب أصوات الغياب
إلى حدود البشرية المتسائلة عن ضنك التفاخر
إلى غابات المجون
يفتح جثث الفيروز و تضوع الحصى، صنيع المطر
و الراحات اللاجئة إلى كداس الحضور
— ابحث عن الصوت في المثوى المعشب
عن صهيل الثأر يفصد وجه التراب.
شاعر من الجزائر
العدد 1159 – 12-9-2023