الثورة – ترجمة ميساء وسوف:
قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، في كلمة ألقاها في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز يوم الأربعاء 13 أيلول الجاري، إن المنافسة الجيوسياسية المتزايدة بين الولايات المتحدة وروسيا والصين تمثل نهاية النظام العالمي بعد الحرب الباردة.
وأشار بلينكن إلى أن “ما نشهده الآن هو أكثر من مجرد اختبار لنظام ما بعد الحرب الباردة، إنها نهاية الأمر. لقد أفسحت عقود من الاستقرار الجيوسياسي النسبي المجال أمام منافسة متزايدة مع القوى الاستبدادية والقوى الرجعية”.
ويبدو أن هذا التصريح بمثابة صرخة حاشدة من أجل “حرب باردة جديدة”.
وبما أن نظام ما بعد الحرب الباردة يقترب من نهايته، فما هو نوع النظام العالمي الجديد الذي تريده الولايات المتحدة؟.
وتشير دلائل مختلفة إلى أن الولايات المتحدة تريد التنافس بين القوى الكبرى ومواجهة المعسكرات من أجل الحفاظ على هيمنتها العالمية، حتى على حساب مصالح الدول الأخرى، بما في ذلك الحلفاء والدول الشريكة.
ومع ذلك، فإن الواقع هو أن المنافسة بين القوى الكبرى تتعارض مع اتجاه العصر ولا يمكنها حل مشاكل الولايات المتحدة والتحديات التي تواجه العالم. ولن يؤدي ذلك إلا إلى مزيد من تقسيم العالم، ما يؤدي إلى انزلاق العالم نحو حافة منحدر أكثر خطورة.
وفيما يتعلق بتصريحات بلينكن، هناك نقطتان رئيسيتان يجب أخذهما في الاعتبار: أولاً، كان بلينكن يخلق شعوراً بالأزمة في العالم، والرسالة الأساسية لحلفاء واشنطن والدول الأخرى هي أن هناك منافسين، وخاصة الصين وروسيا، يريدون تغيير النظام القائم.
ثانياً، تعكس تصريحات بلينكن أيضاً شعوراً بالقلق في الولايات المتحدة التي تحاول إبطاء صعود الصين من خلال المنافسة الإستراتيجية، في حين تأمل في الحفاظ على هيمنتها دون تعريض مصالحها للخطر، ولكن يبدو أنه ليس لديها حل واضح لهذه المعضلة.
إن الصين هي أحد المستفيدين من النظام الحالي ولا تسعى إلى تحدي هذا النظام أو تخريبه. ومع ذلك فإن واشنطن تنظر إلى أي طلب مشروع تقدمه بكين، حتى تلك التي تعكس المطالب المعقولة لأغلبية البلدان النامية، باعتباره تحدياً وتخريباً سيئ النية.
ويعتقد شين تشيانغ، نائب مدير مركز الدراسات الأمريكية بجامعة فودان، أن الحملة الأمريكية غير العقلانية ضد الصين لن تؤدي إلا إلى إثارة غضب الصين والدول النامية الأخرى.
إن العديد من الدول النامية تتقاسم مطالب مشتركة مع الصين، ولكن الولايات المتحدة تعارض أي شيء تقترحه الصين وتنوي خنق حقها المشروع في التنمية. وهذا سيؤدي في نهاية المطاف إلى تدمير النظام الدولي القائم وسيكون له نتائج عكسية على أهداف الولايات المتحدة التي تعتقد أنها ستكتسب ميزة من خلال احتواء الصين.
ومع ذلك، مهما كان الضرر الذي يلحقونه بالصين، فإنه يأتي بنتائج عكسية أيضاً على الولايات المتحدة وحتى على العالم.
واليوم، تتورط الولايات المتحدة في مواجهات متزامنة مع الصين وروسيا، ويتعين عليها أن تفكر ملياً، حيث سيكون الدخول في “حرب باردة جديدة” أكثر صعوبة مقارنة بالحرب السابقة. ففي سبعينيات القرن العشرين، كان الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة يمثل ما يقرب من ثلث الإجمالي العالمي، ولكنه الآن لا يتجاوز الربع. والمنافسان الرئيسيان لها هما روسيا القوة النووية والصين القوة الاقتصادية، ومن أجل هزيمة روسيا، يتعين على واشنطن في نهاية المطاف أن تفكك قدرتها على الردع النووي، وهو ما يشكل مغامرة مثيرة.
أما بالنسبة للصين، فإن الولايات المتحدة تحاول خنق تنميتها من خلال فرض قيود تكنولوجية غير محدودة، ولكنها غير قادرة على الانفصال بشكل كامل عن الصين اقتصادياً.
بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها الرئيسيين، تعتبر الصين إما أكبر شريك تجاري منفرد لهم أو واحدة من أكبر الشركاء التجاريين. واليوم أصبحت الولايات المتحدة معتدياً استراتيجياً متهوراً، يحاول توحيد قوته الأضعف نسبياً مع حلفائه لشن حرب باردة جديدة.
تجدر الإشارة إلى أن قوة حلفاء الولايات المتحدة قد تراجعت بشكل كبير، وأن وحدة “الغرب” مشلولة بسبب تحول الولايات المتحدة من “المتبرع بالدم” إلى “مصاص الدماء”.
ويسعى الجيل الحالي من النخب الأميركية بكل غطرسة إلى تكرار انتصار الحرب الباردة، لكنهم لن ينجحوا أبداً، وبدلاً من ذلك فإن واشنطن سوف تواجه نهاية مختلفة.
المصدر – غلوبال ريسيرش