الثورة – وعد ديب:
على الرغم من الظروف الاقتصادية التي نمر بها والتي دفعت بالبعض من الأسر إلى تغيير الكثير من العادات التي كانت تمارسها إلا أن للمونة الغذائية في فصل الشتاء ثقافتها وعاداتها وتقاليدها لدى معظم السوريين وتشكل ملاذاً آمناً لمئات العائلات التي تدرك أن البركة في المونة المنزلية وطعمها لا يقارن بما هو تجاري.
والمونة هي عبارة عن حفظ أنواع مختلفة من اﻷطعمة والخضار والفواكه في أوقاتها الموسمية لضمان وجودها في فصل الشتاء، وتشمل المربيات والمخللات وكذلك الحبوب وغيرها من المواد التي تصنع مابين أوائل آب و أواخر تشرين الثاني.
ولكن، وبعد كل ذلك هل بقيت كميات المونة التي كانت تخزن منذ بداية الأزمة إلى اﻵن بنفس المستوى أم اختلفت في أساليبها والتقليل من كمياتها في ظل ظروف الغلاء التي طالت أسعار جميع المواد ومنها المواد الغذائية؟
وبخصوص هذا الموضوع حدثتنا ربات منزل من ذوات الخبرة بموضوع المونة المنزلية، فأم كامل وهي من العائلات ذات الدخل المحدود قالت: استغنيت هذا العام عن تموين بعض الأغذية بسبب غلاء بعض المواد التي تدخل بتصنيعهم كالجوز والسمون والزيوت، إلا أن ذلك لم يمنعني من المونة ولو بكميات قليلة.
وأما أم محمود فتتمسك بعادة المونة وتقول إن عائلتنا كبيرة والمعروف عن بيت العائلة مضياف لذلك ألجأ إلى المونة بكميات لا بأس بها.
ولم تستطع أم محمد تموين شي بسبب الغلاء فالثوم وصل سعره إلى أكثر من 35 ألف ليرة للكيلو الواحد والملوخية 14ألف ليرة والقائمة تطول لذلك وعلى حسب قولها أصبحت تشتري من السوق بالأوقية والقطعة.
وعن مونة الشتاء وأهميتها حدثتنا الدكتورة سلوى شعبان الباحثة في القضايا التنموية والاجتماعية حيث قالت: من صميم واقع الحياة للأسرة السورية وباستعراض بسيط لتاريخ هذه الأسرة التي تمثل نموذجاً فعالاً لمجتمع اقتصادي مصغر يعيش الاكتفاء الذاتي ويسعى للتماشي مع المواسم الزراعية والمشهود لها بطقوس المونة المرتبط بتقاليدنا وأعيادنا الشعبية التي تحمل مدلولات وأسماء نضوج الثمار وقطف المحاصيل .. وهذا طبيعي ومشهود لبلد يحمل مقومات الثراء والغنى بكل ما فيه من طبيعة معطاءة وأراضٍ خصبة.
وبحسب شعبان فالأسرة كانت ومازالت متمسكة بهذه الطقوس لما تحمله من بركة وخير وتوفير مادي لها وتوفير لمواد الطبخ التي تضع ربة المنزل في حيرة دائم، وكما كانت القدوة في جداتنا وأمهاتنا فهناك وبالرغم من التطور والحداثة ووسائل التبريد والحفظ هناك سيدات مازلن يحتفظن بهذه العادات للمحافظة كما قلنا على بركة البيت، لكن مع تضاعف ضغوطات الحصار الاقتصادي الذي نعاني والغلاء الفادح الذي جعل الأسعار كارثية غير متماشية مع ايرادات الاسرة الشهرية، فالكميات التي كانت تخزن قبل ومنذ خمس سنوات اختلفت وتقلصت لعدم المقدرة بتوفير كافة مواد المونة ومستلزماتها للأسباب السابقة متزامنة مع الانقطاع الدائم للكهرباء الضروري للثلاجات والمبردات لحفظ هذه الأطعمة .
والواقع بتحدياته المختلفة وهذا التسارع العالمي الحياتي أثر أثراً بالغاً في تدابير الأسرة وعاداتها الموسمية وألغى هذا الموروث الجميل الذي كنا نتغنى به والذي ارتبط بتسميات متنوعة مع الأسرة وذاك الانهماك والانشغال لشهور بين أفرادها وتلك الضجة والصخب المحبب واللمة العائلية والمسؤولية الملقاة على عاتق كل فرد ونقله للأجيال القادمة نوعا” ما.
وتتابع بالرغم من ذلك هناك نسبة لا بأس بها مازالت محتفظة ومثابرة على هذا التقليد السنوي في القرى والأرياف لتوافر المواد الغذائية وبأسعار أقل من الأسواق ولتواجد عملية التبادل بين الأسر للمواد التي تنتج في أراضيهم ومزارعهم كإنتاج القمح والبصل والفاكهة والخضروات وغيرها.
وتؤكد الباحثة التنموية نحن مواظبون بالتمسك بأعرافنا وتقاليدنا الخيرة ليبقى الخير عنوان حياتنا وبركة تواجدنا ونحث كل من يملك قطعة أرض مهما كانت مساحتها باستغلالها خير استغلال درءاً للحاجة وتفادياً للفقر والشكوى والعوز، فالمونة لا غنى عنها لأسرنا وتصنيعها في ظل الغلاء أفضل من الشراء المباشر.
وترى أنه مع تواجد تلك القروض والمشاريع التنموية الممولة لابد من تخطي الصعوبات والتعايش بقوة مع أي تحد منوهة أنه لا خوف على هذه الثقافة من الانقراض فأغلب السوريين على قناعة بأن التصنيع المنزلي لا غنى عنه.
وتصنيع المونة ضروري للذين يقطنون في المناطق البعيدة عن مراكز المدن لحفظ ما يحلو لهم من المأكولات تناولها في أيام الشتاء.