الثورة _منال السماك:
يتصرفون وكأنهم ضيوف في بيوتنا، كل شي يقدم إليهم على أطباق من راحة ودلال، ينصرفون للدراسة أو للهو، وربما لقضاء الساعات على وسائل التواصل الاجتماعي، ويستسلمون للنوم والتحليق بالأحلام ثم ينهضون، وكأنهم في فندق يلقون ملابسهم هنا وهناك، يتركون أسرّتهم وحاجاتهم مبعثرة، ويلقون بكتبهم ودفاترهم كيفما شاء، وينتظرون وقت تقديم الطعام وكأنهم في المطعم.
اتكاليون
صبايا وشبان اعتادوا الاتكالية ونشؤوا على عدم تحمل المسؤولية، الكسل والتراخي والاعتماد على الغير جزء لا يتجزأ من يومياتهم، وعنوان بارز لحياتهم، فانتظار الخدمة والعون من الآخرين بات سلوكاً راسخاً اعتادوه منذ نعومة أظفارهم، كنوع من الرعاية الزائدة والحماية الفائقة والدلال المبالغ به، يقدمه الآباء والأمهات لأبنائهم، من دون أن يدركوا أنهم ينشؤون أبناء معوقين غير قادرين على تحمل المسؤولية واتخاذ القرارات، أو حتى خدمة أنفسهم والقيام بشؤونهم الخاصة، وكأنهم معوقون حركياً بحاجة لمن يطعمهم ويسقيهم ويتخذ القرارات الحياتية نيابة عنهم، فطلباتهم مستجابة لايفرقون بين الممكن والمستحيل، ولا يتقنون إلا فن الأوامر والطلبات.
عبء على الأهل
بعد فوات الأوان تشكو السيدة فداء وهي أم لثلاثة أبناء، من التعب والإرهاق الشديدين، فرغم أنها موظفة فهي تتحمل مسؤولية خدمة أبنائها الذين أصبحوا شابات و شباناً، فقد اعتادوا على مطالبتها بوجبات طعام خاصة لكل منهم على حدة يومياً، ما يضطرها لإعداد ثلاثة أنواع من الطعام، كما أنها هي من ترتب الأسرة وتوضب غرفة بناتها رغم أنهنّ شابات فواحدة تستعد لدخول الجامعة والثانية في الصف العاشر، وهي مطالبة بخدمة ابنها وهو طالب جامعي، من تقديم الطعام وتقشير الفواكه واعداد العصير والسندويش، وحتى مساعدته في ارتداء ملابسه.
بينما اعتادت السيدة عبير على مرافقة ابنها الوحيد طالب الثانوية إلى مدرسته يومياً خشية عليه، ما يسبب له الإحراج أمام رفاقه حسب قوله، ورغم رفضه إلا أن والدته مصرة على ذلك.
يقول المثل: «من شب على شيء شاب عليه» فحرص الأمهات على رعاية الأبناء وخدمتهم بشكل مبالغ به، سيجعلهم وكأنهم معوقون حركياً، يقول السيد مازن وهو أب لـ4 أبناء: لطالما حذرت زوجتي من المبالغة في دلال أبنائنا ولكنها لم تسمع كلامي، فقد اعتادت أن تقدم لهم خدمة، وكأنهم في فندق خمس نجوم، فابني البالغ من العمر 17 عاماً يطلب من والدته كأس الماء وتحضير السندويش بينما هو غارق في جواله، وكذلك ابنتي البالغة من العمر 19 عاماً فهي لا تستيقظ من نومها إلابعد العصر بينما أمها غارقة في إعداد الطعام وتنظيف المنزل.
عدم تحمل المسؤولية
رغم بلوغ ابنه 17عاماً، وبعد تعثره الدراسي، فإنه مازال يقدم له مصروفه وكل ما يحتاجه، يقول أبو محمد: ابني لم يكمل دراسته ورفض أن يتعلم مهنة يكسب منها أجراً، ما يضعني أمام ضغوطات مادية، فأنا أعمل طوال النهار لأعطيه مصروفه بينما هو مع أصدقائه أو نائم، فقد اعتاد الاعتماد عليَّ وعلى والدته التي بالغت بدلاله.
بكل فخر.. يساهم هؤلاء الأهل في إعداد جيل معوق حركياً وربما نفسياً، جيل غير ناضج متراخ متكاسل غير قادر على خدمة نفسه، والفضل يعود لأمهات حريصات جداً على تدليلهم، وآباء يربون أبنائهم كل شبر بنذر، ويعدونهم ليكونوا عالة على أسرهم وعبئاً على المجتمع.
حرمانهم من النضج و الخبرة
تقول الاختصاصية التربوية والنفسية دعاء الحلبي: كثير من الآباء والأمهات يحرصون أشد الحرص على حماية أبنائهم، مايجعلهم يقدمون لهم كل مايحتاجونه، كما يتفانون بحمايتهم وتقديم حلول لمشكلاتهم، فيحرمونهم من خوض التجارب، واكتساب مهارة التعامل مع الحياة، وتحمل المسؤولية والخبرة بإيجاد الحلول.
فالطفل الذي تحمله والدته بشكل دائم لن يتعلم المشي، وكذلك الأبناء الذين منذ طفولتهم يحرص الأهل على تقديم الرعاية الزائدة والحماية المبالغ بها لهم، فإنهم يعودونهم على الاتكالية منذ الصغر، كما يحرمونهم من فرص تعلم بعض الأعمال البسيطة لخدمة أنفسهم، ما يجعلهم غير ناضجين عندما يكبروا.
وتتابع الحلبي بالقول: مما لاشك فيهأ ن لا أحد من الأهل يتقصد أن ينشئ أبناء معوقين يعتمدون على الغير لخدمتهم، ولكن من الحب ما قتل، فطريقة التعامل مع الأبناء تحرف مسار التربية، وتخطئ الهدف لتكون النتيجة جيلاً غير ناضج اجتماعياً، يتصف بالاتكالية واعتياد طلب المساعدة بكل شؤون حياته، مايعرضه للفشل بسبب ضعف شخصيته، وعدم قدرته على مواجهة مصاعب الحياة وتحدياتها، جيل مدلل يعتبر عبئاً على مجتمعه الذي يعول عليه للنهوض به وخدمته، فمن واجب الأهل أن يعلموا أبناءهم خدمة أنفسهم، وأن يدعوهم يجربوا فالخطأ يعلم الصواب، والسقوط يكسبهم خبرة النهوض.