الثورة – رنا بدري سلوم:
ليس بالأمر اليسير الحصول على نتاجات “الأدب الصيني” المترجمة إلى لغتنا العربية في محركات البحث، رغم أن الكثير من المؤرّخين والأدباء السوريين قد تركوا بصمة في الترجمة إلى الصينية، تحضر أسماؤهم في الذاكرة عند الولوج في عالم الترجمة، وعلى سبيل الذكر وليس الحصر مدرّس اللغة العربية في جامعة “بكين” منذ عام ١٩٧٢ الباحث والمؤرخ والشاعر السوري سلامة عبيد الذي تخصص في عالم الترجمة، ولاسيما الأدب الصيني، فوفقاً للدراسات أن عبيد وصف الشعر الصيني بأنه “يمتاز بدقة موسيقاه خاصة بكلماته المعبّرة بحد ذاتها، أي بلفظها ذاته عن المعاني والمشاعر حزينة أو فرحة قوية صاخبة أو سلسة ناعمة».
موجهاً عبيد عنايته المطلقة إلى الثقافة العالمية عامة، واللغة العربية خاصة خلال إقامته الطويلة في بكين، مساهماً في تنمية الحوار الحضاري وتلاقح الثقافات، فترجم «مختارات من الشعر الصيني القديم» عام ١٩٨٣، وشارك في وضع القاموس الصيني العربي مع أساتذة صينيين، خلال عشر سنوات ما بين ١٩٧٢ – ١٩٨٢، للتقارب العربي – الصيني، وقد ترجم عبيد كتباً عن اللغة الصينية وهي: «طرائف من الصين»، و «مع الرئيس ماوتسي تونغ» خلال توزيع إقامته في بكين، و«النساجة وراعي البقر»، وهي أسطورة صينية ترجمها عبيد كتب فيها:
” كانت النسّاجة تراقب من مشغلها السماوي كوكباً يسمونه أهل السماء “الأرض” يدور حول الشمس مثل غيره، بكثير من الرتابة، ولكنه كان يبدو غريباً مثيراً تمنيت لو تعرف الكثير عنه، وذات يوم تحمل “الا
إمبراطورة السماوية”، شيئاً مما نسجته، وبجرأة مهذبة سألت النسّاجة الإمبراطورة، أن تخبرها شيئاً عن عالم الأرض.
فوجئت الإمبراطورة ولكنها تمالكت نفسها بكبرياء:
“الأرض” قطعة من مملكتنا الشاسعة، كرة صغيرة تدور حول آلهة النهار، مرة كل سنة وتتناوب عليها الظلمة والنور كل يوم.
يعني أنها لا تشع من ذاتها مثل نجوم السماء.
الأرض معدن تراب بخس قاتم.
سمعت أنها منفى لبعض العصاة.
آه.. هذه حكاية قديمة”.
وتميّزت ترجمة الباحث والمؤرخ سلامة عبيد لمختارات من الشعر الصيني القديم ” في أسرتي تانغ وسونغ الملكيتين “، وحوت المختارات ٧٤ قصيدة لخمسة عشر شاعراً مشهوراً في أسرة تانغ الملكية، وأسرة سونغ الملكية مع نبذات من حياتهم، وتعد هاتان الأسرتان من أبرز العهود المزدهرة في تاريخ الأدب الصيني، وأن قصائدهم من أروع الكنوز وأعزّها في التراث الثقافي الصيني، في التعبير عن الحياة الاجتماعية والتغيرات التاريخية، لدى تألق الشعر موسيقياً ومعنى، م
ما جعله يترجم القصائد في الشعر المنثور التزاماً بخصوصيات هذا الشعر.
ولابد من ذكر أن الباحث سلامة عبيد هو شاعر نهض شعره بالقضايا الوطنيّة والقوميّة، ووصف في شعره نداءات الحريّة والاستقلال ضد العدوان، مثل قصيدته الشهيرة «من دمانا» التي ألَّفها إثر ضرب قوات الاحتلال الفرنسي مبنى البرلمان السوري في ٢٩ أيار عام ١٩٤٥، حيث ارتقى العديد من شهداء قوى الأمن الذين دافعوا عنه، أما عن الرواية فقد فاز بجائزة الرواية عام ١٩٧٠ في مسابقة وزارة الثقافة عن روايته «أبو صابر: الثائر المنسي مرتين»، وعاد إلى أرض الوطن، وتوفاه الله بعد وصوله بيوم واحد من بكين في ٢٥ آذار ١٩٨٤.
ووفقاً للباحثين أن آخر قصيدة للشاعر سلامة عبيد وجدت في جيبه قبل أسبوع من عودته من الصين كتب فيها:
يا رب لا تغمض جفوني هنا..
هنا قلوب الناس بيضاء
وأرضهم ماء وأفياء..
لكن بي شوقاً إلى أرضي..
لجبل الريّان والساحل
ألقي عليه نظرة الراحل..
دعني أعِش يوماً أخيراً هناك..
حيث أحبائي
والذكريات الحلوة المرّة..
طفولة شقيّة شاردة
وزهرة الشباب..
تنوشها السيّاط والحراب..
لأنها لا تمنح العطر
لغاصبٍ أو دميةٍ أو صنمٍ..
دعني أغمض جفوني هناك..
حيث أحبائي..
يذرفون الدمع لون دماء..
ويعرف الرجال طعم البكاء.
