في ظل هذه الظروف البائسة التي تحاصرنا من كلّ اتجاه، يأتي الاتفاق السوري – الصيني، والذي وُصِفَ بأنه يعني ( إقامة علاقات شراكة استراتيجية بين البلدين ) باعثاً للتفاؤل بقدرته على حلحلة شيءٍ من ذلك البؤس الذي وصلنا إليه، إن كانت الشراكة حقيقية واستراتيجية فعلاً، والمؤشرات توحي بذلك رغم أن التفاصيل لاتزال غير واضحة بعد .
الذي نعرفه ونثق به هو أن الصين – الدولة الصديقة والعزيزة – قادرة وببساطة على تحريك عجلة الاقتصاد السوري ليغدو اقتصاداً مزدهراً بكل ما للكلمة من معنى، ولا نقصد بذلك الإغداق على سورية بالمساعدات والإعانات الصينية المجانية، وإنما أمر الازدهار ممكن من خلال تحديد المصالح المتبادلة ووضعها موضع التنفيذ.
فبغض النظر عن الاستثمارات الواسعة التي يمكن للصين أن تبدأها في سورية، سواء كانت صناعية أم زراعية أو تجارية أم سياحية، فإن سورية تُعتبر في هذه الأثناء ميداناً واسعاً يتخلّله الكثير من الفرص الذهبية، ونقصد بهذا الميدان عملية إعادة الإعمار، التي يمكن للصين أن تستفيد كثيراً إن بدأت بها من خلال المكاسب الكبرى التي ستحظى بها عند إنجاز العملية والوصول إلى نتائجها، كما أن هذه العملية – إن بدأت بزخمٍ صيني حقيقي – فلسوف تُحرك الاقتصاد السوري على نطاقٍ واسع، لأن تأمين مستلزمات إعادة الإعمار من شأنه تحريك العجلة الاقتصادية بسرعة كبيرة من أجل توفير تلك المستلزمات صناعياً وتجارياً وزراعياً أيضاً وحتى سياحياً، فمثلاً تحتاج العملية إلى آليات هندسية متعددة ومتنوعة وتجهيزات إنشائية كبيرة وكثيرة، وإلى مواد بناء بكميات ضخمة .. وما إلى ذلك.
في السوق السورية يتوفر بعض هذه المستلزمات، وعند الإقلاع فعلياً بعمليات إعادة الإعمار قد نشهد ظهور صناعات جديدة تلبي الطلب والحاجات، وقد نشهد نشاطاً تجارياً واسع الطيف لتأمينها، وقد تصادف أراضينا الطيبة طلباً لزراعات جديدة، أو تحفيزاً لمزيد من الزراعات القائمة تلبية لاحتياجات الأصدقاء الصينيين المساهمين في إعادة الإعمار، وهؤلاء أيضاً يحتاجون إلى فنادق وأماكن للإقامة والكثير من التجهيزات والسيارات والمعدات.
وهذا يعني زيادة الطلب على اليد العاملة، وفتح أبواب فرص العمل على مصراعيها، والدفع بالبنوك وشركات التأمين للصعود بقوة كبيرة، لأن مجمل هذا النشاط يستلزم استعانة الكثيرين بالقروض، وما من قرضٍ يُنفذ إلا بعد التأمين عليه .. وعلى تلك اللوحة المزدهرة يمكننا القياس.
ثمة حكمةٍ صينية تقول : (الحياة تحتاج لأربعة أصناف من البشر: معلّمٌ يوجهك، وعزيزٌ يساعدك، وقريبٌ يدعمك، وصعلوكُ يستفزك) وفي الحقيقة فإن الاتفاقية التي أطلقها الرئيسان المعلمان بشار الأسد، وشي جين بينغ، لإقامة علاقات شراكة بين البلدين كفيلة بتوجيه الدفة، ونحن على يقين أنّ المعزة قائمة بين البلدين وكلّ بلد يرغب بمساعدة الآخر على قدر طاقته، وهناك أصدقاء وأشقاء مشتركون لا يقصرون بتقديم ما أمكن من الدعم، أما بالنسبة للصعلوك المستفز فهذا متوفّر بكثرة تجاهنا وتجاه الصين، فلا أكثر من الصعاليك التي تتقافز حولنا، وستزداد قفزاً وصراخاً وجنوناً إن بدأنا فعلياً بإعادة الإعمار، ولا بأس فلتصرخ كما تشاء ولتستفزّنا كما يحلو لها.. فهي بذلك تستكمل وتختم لنا رابع أصناف حاجاتنا للحياة.
السابق
التالي