في بلاد التنين كلّ شيء مختلف، ففيها تراث الماضي الآسر يلتقي بمنتجات الحداثة بصورة لا توجد في غيرها ، فالصين التي كانت في يوم سابق استراحة للمستعمرين تحمل على عاتقها مواجهة تبعات الاستعمار بامتلاك الكثير من القوى الناعمة وتقيم أفضل العلاقات مع الكثير من دول ألعالم على أساس المنافع والمصالح المتبادلة والمتناظرة في آن واحد، الأمر الذي جعلها مقصداً لكلّ الحكومات الرافضة للتبعية والهيمنة والمتمسكة بسيادتها لتكون النتائج أشكالاً من التعاون البناء.
واليوم إذ تستقبل الصين قائد الوطن في ظلّ تداخلات وتطورات شديدة التعقيد ، فإن الأمر يتعلق بالأساس المتين الذي بنيت عليه العلاقة ما بين دمشق وبكين والمتمثلة بتوقيع اتفاق شراكة استراتيجية بإلإضافة لاتفاقيات قطاعية أخرى في مجالات الاقتصاد والزراعة والثقافة والإعلام كجزء من التنسيق الاستراتيجي الأوسع ، فما الذي يدفع الصين لتوقيع هذا الاتفاق؟.
لقد عبر الرئيس شي جين بينغ رئيس جمهورية الصين الشعبية بوضوح عن البعد الاستراتيجي للعلاقة مع سورية باعتبارها كانت من أول الدول التي اعترفت بجمهورية الصين الشعبية ودعمت تمكينها من استعادة مقعدها الدائم في مجلس الأمن وبنت علاقتها مع بكين على مبدأ صين واحدة ويجب استعادة جزرها وأراضيها بكل الوسائل الممكنة، ما يعني أن الصورة التي يتم إخراجها الآن في إطار الحفاوة والتكريم تستند إلى أرضية راسخة وموقف يضرب الرؤى الأميركية والغربية عرض الحائط ولا يلتفت للأكاذيب والروايات الملفقة والاتهامات ويقدم نموذجاً للتعاون البناء في ظل النظام العالمي الجديد متعدد الأقطاب الذي يكفل ويضمن الأمن والاستقرار والسلام ويمنع انتشار الإرهاب ، وذلك ضمن سلسلة إجراءات تخدم هذه الاستراتيجية القائمة على مبدأ المساواة والتعاون وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول .
وتكمن أهمية هذه الزيارة من حيث الزمان والمكان والتوقيت في المقصد الكبير ، وهو الصين المنافس الحقيقي للولايات المتحدة الأميركية وعدوها الأول والمرشح لاحتلال الموقع الأول في الاقتصاد العالمي خلال سنوات قليلة باعتباره يحقق أعلى نسبة نمو في التاريخ البشري ، وسوف ينعكس ذلك دعماً وتعاوناً لسورية ويبعث رسالة لواشنطن مفادها إن عقوباتكم وإجراءاتكم القسرية أحادية الجانب لا تعني الحكومة الصينية في شيء وستكون المعاهدات الموقعة موضع التنفيذ العملي في ميادين إعادة الإعمار والمشاريع الإنتاجية وفتح مجالات الاستثمار في سورية التي بدأت تحقق استجابة تشريعية وقانونية تتوافق والمرحلة الزمنية الراهنة والظروف القائمة على المصالح المشتركة وتبادل المنافع ، الأمر الذي لن يطول انتظار نتائجه الإيجابية في مختلف القطاعات وانعكاساتها على الحياة المعيشية للمواطنين سريعاً ، لأن المعاهدة الاستراتيجية تمنح هذه المزايا للبلدين لتحقيق واقع أفضل ، نراه قريباً جداً وخاصة في مجال إعادة الإعمار والاستثمار الزراعي والتنمية ، ما يدفعنا لمحاولة تعلم اللغة الصينية والترحيب بكلمة : نيهاو.