خميس بن عبيد القطيطي- كاتب من سلطنة عمان
تحركات عربية استقطبت الأنظار خلال الأسبوع المنصرم على محوري دمشق – الرياض تحمل دلالات معبرة وعناوين إقليمية ضمن مخاض عالمي ينتظر ولادة نظام عالمي جديد ورغم أن الصورة قاتمة عربيا منذ عقود إلا أنه تبدو هناك بوارق أمل مضيئة لانفراجات تعيد توجيه البوصلة العربية لاتجاهات إيجابية.
نبدأ أولا من العاصمة السورية دمشق حيث حطت الطائرة الرئاسية “الصينية” التي جاءت لتقل الرئيس السوري الأسد في زيارة رسمية هامة وصفها المراقبون “بالغة الأهمية” لما حملته من دلالات معبرة من حيث الزمان والمكان والظروف الدولية المحيطة، فقد جاءت الزيارة بعد إعلان الممر الاقتصادي الكبير الذي تبنته الولايات المتحدة انطلاقا من الهند مرورا بدولة الإمارات والسعودية والكيان الصهيوني وصولا الى أوروبا، وان كان المشروع مبهما من حيث الشكل والتكاليف والجوانب الأمنية وتكتنفه الكثير من الملابسات التي قد تعرقل تنفيذه لكنه يأتي ضمن سياقات المنافسة لمشروع الحزام والطريق الصيني الذي خصصت الصين له تريليوني دولار بمشاركة دولية واسعة واتفاقيات ثنائية محورية مع عدد من دول العالم، وهذا التنافس قد تحدثنا عنه في مقال سابق بعنوان: “قراءة في المشهد الدولي” لكن ما يهم التركيز عليه هنا في دلالات زيارة الرئيس الأسد إلى الصين وما حملت الزيارة من شراكة بين بكين ودمشق حيث تم توقيع اتفاقيات استراتيجية للتعاون الاقتصادي واتفاقية تعاون ضمن مشروع الحزام والطريق في حالة تشبيك اقتصادي كبرى تقاطعت فيها مصالح البلدين اللذين يقفان على طرف نقيض للسياسات الأمريكية، ولا شك أن إرسال الصين لطائرة رئاسية مجهزة لتقل الرئيس الأسد لها دلالات على أهمية الزيارة بالنسبة للصين، كما يتضح من خلال الاتفاقيات الموقعة أن هناك نقلة صينية – سورية موفقة على رقعة الشطرنج الدولية لتأمين أبرز نقطة في مشروع الحزام والطريق الصيني حيث يمكن للصين من خلال الموانئ والأراضي السورية الانتقال بمشروعها الاقتصادي الكبير الى أوروبا، كما تمثل الزيارة أهمية قصوى للدولة السورية وتعتبر ضربة معلم في عملية معالجة الأزمة من خلال دخول القطب الاقتصادي الصيني على خط إعادة الإعمار وتأمين تنفيذ مشاريع كبيرة للشركات الصينية مع وجود ضمانات أمنية دولية بمشاركة روسية ايرانية تتعلق بتأمين الحدود مع تركيا وهو ما نترقبه خلال المرحلة القادمة، كما تأتي الزيارة في وقت لم تستطع اللجنة العربية من التقدم للأمام بسبب ضغوطات دولية أمريكية لمناهضة ما تسميه التطبيع مع سورية، فالتقت الفكرة الصينية السورية من وراء البحار لتشكل رافعة دولية جديدة بعد إنشغال الروسي بتنظيف مناطق نفوذه الأوراسية.. وهذا التشبيك السياسي الاقتصادي العسكري بين دمشق وبكين وموسكو وطهران له ما بعده في المخاض العالمي الراهن.
العاصمة السعودية الرياض أيضا كانت على موعد هام جدا حيث اجتماع الفرقاء اليمنيين بهدف إنهاء الصراع والأزمة اليمنية وما تمخض من تلك المباحثات يبشر بنتائج متقدمة في طريق إنهاء الأزمة اليمنية بمعالجة بعض الجوانب الإنسانية والاقتصادية خاصة ما يتعلق بموضوع تسليم المرتبات وفتح الطرق والمعابر وتبادل الأسرى، الكل مقابل الكل وتشغيل المطارات والموانئ وتفعيل العمل في منشآت الدولة وتخصيص جزء من الإيرادات كموازنة تشغيلية على أمل أن تتم معالجة الملف السياسي في المرحلة اللاحقة، وجاء هذا التطور في الملف اليمني بعد الإعلان عن مشروع الممر الاقتصادي الكبير.
تصريحات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لمحطة “فوكس نيوز” الأمريكية لا يمكن فصلها عن سياقات المرحلة سياسيا واقتصاديا ضمن المخاض العالمي ورغم أن المقابلة ركزت على موضوع التطبيع مع الكيان الصهيوني إلا أن إعادة تجسير العلاقات السعودية – الأمريكية كانت هي الهدف الأبرز في مشهد يسوده التنافس اقليميا وعالميا، ولا شك أن السعودية كلاعب سياسي اقليمي يتطلع للعالمية مع وجود قيادة شابة قادرة على اتخاذ قرارات شجاعة وتمتلك القدرة على المناورة السياسية واستخدام الأوراق التي تؤهلها للتموضع الاستراتيجي في عالم متعدد الأقطاب مستقبلا، وإسقاطا على أهم ما تعرضت له المقابلة فقد جاء موضوع الاتفاقية الأمنية بين الولايات المتحدة والسعودية لتوفير مظلة حماية أمريكية في حال تعرضت المملكة لأي استهداف وينسحب على تلك الاتفاقية فتح جميع مخازن السلاح الامريكي دون تحديد وخاصة منظومات الدفاع الجوي مثل منظومة “ثاد” وكذلك مختلف أنماط المقاتلات الجوية.. ولكن هذه الاتفاقية يكتنفها الكثير من العوائق على الصعيد الداخلي الأمريكي، كما يأتي موضوع مساعدة واشنطن للرياض في مشروع الطاقة النووية للأغراض السلمية محاطا بالكثير من العراقيل لارتباطه بالتخصيب على الاراضي السعودية وما يعنيه من مخاطر مستقبلية على الكيان الصهيوني، والشرط الأساسي أرتباط التطبيع بحل القضية الفلسطينية ضمن المبادرة العربية للسلام كمرجعية تبنتها السياسة السعودية وقدمتهاعلى لسان ولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز في قمة بيروت عام 2002م، كما تبرز اشكالية الاخرى الحسابات الامريكية الامريكية الداخلية المعقدة للموافقة على المطالب السعودية، ومن هنا فإن الموقف محاطا بالكثير من الغموض والعوائق البديهية.
عرضت الولايات المتحدة في وقت سابق عدة نقاط فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية أبرزها: عدم ضم الضفة الغربية لاسرائيل مطلقا، وعدم التوسع أو الزيادة في المستوطنات بالضفة الغربية، ونقل المناطق “ج” وضمها الى المناطق “أ” و “ب” تحت السيادة الفلسطينية، على تقوم الرياض بتقديم مساعدات لمؤسسات السلطة في الضفة الغربية، ولكن هذا الأمر يختلف كليا عن موضوع حل القضية الفلسطينية وتوفير حلول شاملة لنقاط الحل الرئيسية المتمثلة في الحدود وعودة اللاجئين وموضوع الدولة وعاصمتها القدس الشريف كما تختلف ايضا عن المبادرة العربية للسلام وهي السلام الشامل مقابل التطبيع الشامل، ومن هنا فإن موضوع التطبيع السعودي مع الكيان الصهيوني بعيد المنال لاستحالة تقديم حل للقضية الفلسطينية وكل ما سبق منذ اتفاقات أوسلو وحتى اليوم مجرد وعود ومشاريع وهمية لم تقدم شيئا يذكر في صالح القضية الفلسطينية وبالتالي لا يمكن للرياض التي تتطلع للصدارة الاقليمية التفريط في أي حق من الحقوق العادلة للشعب الفلسطيني، والمملكة العربية السعودية عبرت دائما في كل المنابر الدولية باشتراط حل عادل للقضية الفلسطينية .
في المجمل العام تمثل هذه التحركات بين دمشق والرياض وصنعاء والقضية الفلسطينية إضاءات عربية لها ما بعدها يتوجها التفاؤل في تحقيق نجاحات عربية أخرى ضمن هذا المخاض والتنافس العالمي الذي يحيط بالجغرافيا العربية.
* المقال ينشر بالتزامن مع صحيفة الوطن العمانية ورأي اليوم