ربما يفهم البعض بأن هناك تناقضاً بين المصطلحين الاقتصادي (الاستثمار) والثقافي (الثقافة)، لكن في حقيقة الأمر في حياتنا المتطورة، التي بلغ العلم فيها مستويات رفيعة، أصبح الاستثمار يشمل كل مجالات الحياة وقطاعات العمل، حتى في التربية والعلم والمجتمع والآداب والفكر والصحافة والإعلام، طالما أنه يجري العمل فيها ضمن أهداف إنسانية، وتعود بالفائدة المجتمعية والفكرية والعلمية لأفراد المجتمع والأمة والوطن، وليست تجارة رابحة لحساب جهة خاصة أو فرد.
الاستثمار هنا إمكانية تطويع الثقافة في خدمة أهداف إنسانية، فعندما نقول الاستثمار في الثقافة، يعني كيف نوظفها في خدمة الإنسان وخدمة المجتمع وخدمة الوطن والأمة..
كيف نحول إمكاناتنا الضعيفة في الثقافة إلى إمكانات قوية تجعلنا نتمسك بهويتنا وانتمائنا الصحيح للوطن والأمة وللمجتمع الذي نعيش، لا أن نحول الثقافة إلى ساحة حرب وهيمنة وسيطرة، أو إلى سيف مسلط ضد انتماء أو ثقافة أخرى..
كيف نستثمر الثقافة من خلال دعم كوادرها وتهيئتهم ودفعهم نحو التعبير عن الهوية والانتماء بأصدق الصور الحضارية ليكون لنا حضور بين الأمم والشعوب وفي كل الساحات المعرفية والثقافية والعلمية..
صناعة النصر ليست مقتصرة في الميدان والتصدي للعدوان، وإن كانت الأساس في هذه المرحلة، هناك عنصر أساس، هو في استثمار الإنسان وصناعة الفكر والثقافة والإبداع والاستثمار فيها.
كيف نستطيع أن نستثمر كوادر الثقافة لإنتاج الإبداع في معركة الوطن والأمة، وكيف نستثمر الطالب والأستاذ والمفكر والعالم والطبيب والمهندس – بما فيها مهندس النظافة – والإعلامي والفنان وكل حرفي يخدم المجتمع، كيف نؤمن لهم مقومات إبداعهم وحياة كريمة ومكافأتهم التي تغنيهم وتطلق فكرهم وإبداعهم، لا أن يبقوا مطية للظروف الحياتية التي تعطل دروب هؤلاء المبدعين من تحقيق أحلامهم وأحلام وطنهم وأمتهم، وأن يعيش الكاتب والمفكر من كد قلمه وفكره وإبداعه.
السابق