الثورة – لقاء ريم صالح:
أكد الباحث الدكتور تركي الحسن المحلل السياسي والخبير بالشؤون الدولية أن الحديث عن حرب تشرين التحريرية هو حديث طويل ذو شجون.
وقال في تصريح خاص لصحيفة الثورة أن القرار السياسي للحرب اتخذ في بلودان وأعطي للقيادتين العسكريتين في سورية ومصر، لأن تحول هذا القرار إلى واقع عملي وإلى خطط وإعداد وتسليح وتدريب وبذل العرق الكثير وبنفس الوقت إلى متابعة الأعمال القتالية في حرب الاستنزاف وباللحظة نفسها الإعداد للحرب.
وأضاف أنه يكفي أن نشير في الذكرى الذهبية لحرب تشرين التحريرية أن شبكة الدفاع الجوي أنشئت تحت عين وبصر ومشاهدة العدو الإسرائيلي وهذه الشبكة بنيناها بسواعدنا وتمكنت قواتنا المسلحة في فترة قصيرة من استيعاب السلاح وبنفس الوقت الانطلاق باتجاه تحقيق الأهداف ويكفي الصبر الاستراتيجي رغم ما كنا نتعرض له من هجمات إسرائيلية بواسطة الطيران أو حتى قصف مدفعي، وآنذاك لم تستخدم هذه الصواريخ وبقيت هي مفاجأة حرب تشرين حيث أنها وكما يقال في الشعر العربي تركت ليوم كريهة وطعان خنس.
واستطرد قائلاً: أذكر حادثة وقعت قبل شهر تقريباً عندما تعرضنا لعدوان جوي وأطلق عليه وقتها معركة طرطوس وحمص الجوية وخسرنا بها ١٣ طائرة، ومع ذلك لم نستخدم الصواريخ رغم أنها كانت جاهزة لإسقاط الطيران المعادي وذلك لأننا تركناها مفاجأة الحرب وتمكنا من خلالها من إسقاط الطيران الإسرائيلي الذي كان يسود أو يسيطر على الأجواء العربية.
وقال الحسن إذا ذكرنا حرب تشرين فإن أول شيء نقوله عنها هو أنها حررت الإرادة في اتخاذ القرار وهذا أهم عامل، ثم فيما بعد جاء تحرير الأرض أي تحرير المواقع العسكرية وبنفس الوقت تحقيق هدفنا الوطني سواء على الجبهة السورية أو المصرية، وهناك أيضا الهدف القومي حيث أن الحرب أدت إلى إصدار القرار ٣٣٨ من مجلس الأمن والذي أنهى بدوره مسألة اعتبار القضية الفلسطينية مجرد قضية لاجئين وذلك بموجب القرار٢٤٢ وجعلها قضية حقوق بعدما اعترف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
وأضاف أن حرب تشرين هي ظاهرة حديثة في تاريخ العرب تمكنوا خلالها من التوحد تحت شعار التضامن العربي حيث ساهمت الدول العربية عسكريا وسياسيا واذكر هنا العراق والأردن والجزائر والمغرب والسعودية والسودان بالإضافة إلى سورية ومصر وتوحد العرب لأول مرة في التاريخ الحديث ووقفوا خلف سورية ومصر.
وشدد على أن حرب تشرين التحريرية هي ثمرة جهود كبيرة بذلت من قبل القائد المؤسس الرئيس حافظ الأسد وذلك عبر تتويج هذا الشعار الذي طرحه بعد الحركة التصحيحية عام ١٩٧٠ عندما أكد على ضرورة التضامن العربي وحيث حشد الطاقات العربية مطلوب سواء منها في الداخل وطنياً أو حتى قومياً.
ولفت إلى أن هذه الحرب أوصلت منظمة التحرير إلى المنابر الدولية والاعتراف بها كمنظمة تمثل الشعب الفلسطيني منظمة تكون ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني.
وأوضح أن من نتائج هذه الحرب أيضاً أن العرب تقدموا أمام العالم ككتلة واحدة ويكفي هنا أن نشير إلى استخدام الاقتصاد لمقاطعة الغرب أي بمعنى قطع البترول عن الدول التي تساند “إسرائيل”.
وأشار أنه يكفي هنا أن نستذكر النتائج العسكرية التي تسجل للجيشين السوري والمصري ومنها الاندفاعة الكبيرة التي قام بها الجيش العربي السوري وخرق دفاعات خط آلون وتحصيناته والوصول إلى بحيرة طبريا، كما أشير هنا إلى السيطرة على مرصد جبل الشيخ والانزال الجوي بالتزامن مع تقدم القوات برياً وصعودها وتسلقها جبل الشيخ والوصول إلى المرصد وإسقاطه، إضافة إلى تقدم القوات المصرية ونجاحها في اليوم الأول في عبور قناة السويس وأيضاً إحداث الثغرات في خط بارليف بجهود وخبرة مصرية.
وقال اعتقد انه لو سارت الحرب كما خطط لها لكنا أنجزنا سياسياً أكثر مما أنجز من حيث المبدأ لأن الحصاد السياسي لم يكن يتفق أو لنقل لم يكن يتوازن مع الحصاد العسكري، حيث إن الضربات الجوية عند بدء الحرب بوقت واحد على الجبهتين السورية والمصرية وذلك باعتبار أنه وفي ضربة جوية واحدة تقدمت ثمانون طائرة من الجانب السوري ومئتي طائرة قاذفة من الجانب المصري حققت أهدافها دون التعرض لأي خسائر في هذا الطيران، وهذا أمر يسجل أيضاً في ميزان القوة السورية، فالفرق العسكرية تقدمت والطيران نفذ عملية التمهيد وقد شارك قرابة ٩٠٠ مدفع من الجانب السوري في قصف القوات الإسرائيلية من أجل تأمين تقدم هذه القوات.
ونوه د. تركي الحسن إلى أن هذه الحرب هي مفخرة بكل تأكيد لكل سوري، فتاريخنا الآن يسجل هذه الحرب التي لا يزال وهجهها قائماً حتى الآن.
وأضاف أن سورية كان لها دور أساسي في هذه الحرب باعتبار أنها وقفت محافظة على الحقوق كما أنها رفضت الآلاعيب السياسية سواء اتفاقات كامب ديفيد وغيرها فكان لابد من معاقبتها وبالتالي تم العمل من أجل إضعاف سورية ودورها، مرة في تحريك عصابة “الإخوان المسلمين” في الداخل ومرة أخرى في إشعال حريق في جانبنا وهي الحرب الأهلية اللبنانية، ثم وصولاً إلى غزو لبنان عام ١٩٨٢، وبنفس الوقت الوصول إلى العاصمة العربية بيروت، ولكن رغم ذلك لم نستسلم وكان قرارنا صائباً بالتصدي لكل هذه المؤامرات، وأيضا كان رهاننا على المقاومة والتي أعطت جدواها وذلك عندما تبنت سورية المقاومة وخيارها وبنفس الوقت أدت إلى نتائج كبيرة جداً في أن تجبر وتطرد العدو الإسرائيلي من لبنان في ٢٥/٥/٢٠٠٠ ثم كانت النتائج الهامة في حرب عام ٢٠٠٦ في حرب تموز والتي مرغت أنف الإسرائيلي بالوحل ونشير إلى ما تلاها بأن المقاومة الفلسطينية استلهمت تجربة المقاومة اللبنانية في حروبها في غزة عام ٢٠٠٨ – ٢٠٠٩- ٢٠١٢- ٢٠١٤- ٢٠٢١- ٢٠٢٢- ٢٠٢٣ فأصبح خيار المقاومة مبدأ أساسياً ثبت جدواه في الصراع العربي الإسرائيلي.
وختم كلامه بالقول: إننا في ذكرى حرب تشرين نوجه التحية لشهدائنا الذين سقطوا وما تبعهم من الشهداء حتى يومنا هذا، وبنفس الوقت نقول لأهلنا إن ما تعرضنا له سابقاً نتعرض له اليوم لأن سورية لم تسقط وبوصلتها لا تزال هي فلسطين، ولذلك شنت علينا حرب إرهابية والتي تنفذ بالوكالة عن الولايات المتحدة و”إسرائيل”، ومع ذلك أثبتنا أننا أبناء مرحلة حرب تشرين وكما انتصرنا في تشرين فإننا أيضاً سننتصر في هذه الحرب، فنحن خضنا حرباً لأكثر من اثني عشر عاماً وهذه الحرب استهدفت كل شيء بنيتنا الفكرية والاجتماعية والثقافية، كما شنت علينا حرب إعلامية واقتصادية وسياسية، وقد خضنا هذه الحرب بكل اقتدار، والشهداء الذين سقطوا في هذه الحرب أناروا لنا الطريق وسيستمرون في إنارة دربنا في المستقبل لتبقى سورية قلب العروبة النابض، ولتبقى بوصلتها فلسطين، ولن تغير مبادئها أو تحيد عن ثوابتها الوطنية والقومية والعربية.