بالتزامن مع ذكرى استشهاد رسام الكاريكاتور الفلسطيني ناجي العلي استضاف المركز الثقافي العربي بأبي رمانة ندوة نظمتها أكاديمية الثقافة الفلسطينية تناولت بإسهاب التجربة الفنية النضالية للفنان الشهيد.
تضمنت الندوة محاولة للإجابة عن عدة أسئلة منها سؤال يقول:
لماذا اعتمدت رسوم ناجي العلي على الحوار والتعليق، وقد أخذ في أحيان كثيرة حيزاً كبيراً من رسوماته الكاريكاتورية؟
هذا السؤال قد يكون مدخلاً مناسباً للحديث عن تجربة ناجي العلي الفنية، بعد سنوات عديدة دار فيها الحديث عنها على مستويين مختلفين، أولهما ظاهر كانت الآراء فيه تجمع على الإشادة بالتجربة دون إيراد أية ملاحظة قد تعتبر مساساً بها، وثانيهما اعتمد المواربة والتورية، وفيه قيلت آراء وطرحت تساؤلات كانت تنتقد من طرف خفي هذه التجربة أو بعض جوانبها.
قبل محاولة الإجابة لا بد من إيراد ملاحظتين هامتين في هذا المجال:
– الملاحظة الأولى: أن ناجي العلي وإن لجأ إلى التعليق في عدد كبير من رسوماته فإنه أيضاً قد رسم عدداً كبيراً آخر من الرسوم دون تعليق، وقد يكون هذا العدد الآخر أكبر مما رسمه كثير من الرسامين طوال حياتهم إذا أخذنا بعين الاعتبار عدد رسومه وقد قدرته صحيفة (القبس) بأربعين ألف رسماً، عدا ما حظر نشره.
– الملاحظة الثانية: تتعلق بالشخصيات والرموز التي استخدمها في رسوماته فصارت صفة مميزة لها، وقد استطاع ناجي العلي أن يرسخ في ذاكرة قرائه هذه الرموز، واستطاع بواسطتها اختصار كثير من التعليقات.
وفي الحالتين علينا ألا ننسى أن تراث ناجي العلي لم يتم جمعه من قبل أية جهة، وبالتالي فإن الحديث عن نسبة رسومه (دون تعليق) إلى مجموع رسومه نسبة لا ندركها، ولا نستطيع التنبؤ بها، لأن استخدام التعليق والحوار أو عدم استخدامهما، كان يختلف من فترة لأخرى ومن حدث لآخر، وعلى سبيل المثال فإن القسم الأعظم من الرسوم التي تناولت الحرب الأهلية اللبنانية كانت دون تعليق، وكذلك كثير من الرسوم التي رسمت في مرحلة (كامب ديفيد).
غير أن ما هو أكثر أهمية في هذا المجال هو علاقة ناجي العلي بفن الكاريكاتور ومفهومه حول هذا الفن ومهامه، إن إدراك هذه العلاقة يساعد إلى حد كبير على تفسير مجمل تجربة ناجي العلي، لا من جانبها الفكري فحسب، وإنما من جانبها التقني أيضاً. لقد وجد ناجي العلي في الكاريكاتور وسيلة للتعبير عن أفكاره، لا غاية بحد ذاتها.
إن الدراسة النقدية لأعمال ناجي العلي ليست أمراً سهلاً فغزارة هذه الأعمال تتطلب من الدارس وقتاً وجهداً طويلين، وتتطلب كذلك قراءة أعماله جميعاً.. ومع هذا فإن استعراض أعماله في السنوات الأخيرة من حياته، أو حتى استعراض بعض نماذج منها، يؤكد بوضوح أن الجانب الفني والتقني لم يكن غائباً عن تجربة الفنان الشهيد، فلوحته الكاريكاتورية مبنية على أسس تشكيلية صحيحة يراعي فيها إلى حد بعيد مسألة توازنها الداخلي.
وخطوطه بالغة البساطة والعفوية حتى يخال المشاهد أنها خطت مباشرة دون أي تعديل لاحق.