الثورة – لميس علي:
على طريقة “ريموند كارفر”، بصياغته عنوان كتابه (عمّ نتحدث حين نتحدث عن الحبّ)، نوجّه التساؤل لكن نحو الصدق وليس الحبّ، مع أن أولى خطوات نجاح الحبّ تبنى على الصدق.
في لحظة تعرية “الذات” من كل قشورها الظاهرية، هل نجرؤ على ممارسة الصدق، بكل معانيه واتجاهاته، أمام الآخر/الآخرين..؟ والسؤال الأعمق: هل نحن فعلاً صادقون مع أنفسنا..؟ غالباً.. ترتبط الإجابة بمقدار وعي ونضج المرء وقدرته الاستثنائية على مصادقة ذاته، بكل حالاتها ومن دون أي أقنعة أو تجميل.
بعض الآراء الأخلاقية الفلسفية دائماً ما ربطت الصدق بالأخلاق وربما جعلته على رأسها، ومعياراً أساسياً لتوصيف الإنسان توصيفاً إيجابياً.
فحين نقول عن أحدهم بأنه صادقٌ، يُترجم الأمر بنيله درجة عالية من درجات الاحترام الاجتماعي، وكأن (الصدق) هو الإشعار “الأول” الذي يصلك كي تفتح باباً لتعامل موثوق، أو لعلاقة جدية تأخذ مداها الإنساني أو العاطفي دون أن يتم تأطيرها زمنياً، لأنها بُنيت على قاعدة “الصدق”.
إذاً.. عمّ نتحدّث حين نتحدّث عن (الصدق)..؟ الصدق هو فعل الحبّ الأشجع الذي نمارسه مع أنفسنا قبل الآخرين. ومع ذلك.. ثمة صدق يُقال، وصدق لا يُقال.. حين يغدو معركة أو حين يكون حماية أو تخبئة لأجزاء من ذواتنا نبتغي حمايتها لا إضعافها.. وبالتالي لا نمارسه كقيمة مطلقة حتى لو كان معياراً أو ميزة أخلاقيّة تَسِمُنا عموماً.
هل نساوم على (الصدق)..؟ لعلنا، حينها، نساوم على نقيضه (الكذب).. بمعنى ألّا نكون كاذبين مع أنفسنا بالدرجة الأولى. هل نراوغ (بالصدق)؟ مع ملاحظة أن مفردة (الصدق) تستحضر قائمةً من مفردات أخرى، مثل: الثقة، الأمان، الإخلاص، الاحترام، الأصالة.. ولدى “توماس جيفرسون”-أحد المؤسسين للولايات المتحدة الأمريكية- يغدو (الصدق الفصل الأول في كتاب الحكمة).. أما شكسبير فيرى (أن لا إرث غنياً مثل الصدق).
المفارقة، أن فضيلة عليا مثل “الصدق”، ليس من السهل امتلاكها والحفاظ عليها في المجتمعات المعاصرة العائمة على تسارع لحظي واستعجال في تحصيل علاقات مؤقتة، يبدو شيئاً لافتاً ومميزاً أن يمتلك المرء قيمة (الصدق)، أيضاً وبسبب هكذا مناخات سائدة ليس من الصعب تمييز الإنسان الصادق لأنه سيبدو نافراً عن محيطه.
لكن خامة (الصدق) تحتاج لخامة مماثلة لها، كي يتم تقديرها التقدير الصحيح والمناسب، ومع كل ذلك تتسع إمكانية التوصيفات حين نعيد السؤال: عمّ نتحدّث حين نتحدّث عن ( الصدق)..؟ لن تستغرب الإجابة حين نؤكد على الحبّ.. فمن يكون صادقاً مع نفسه يدرك تماماً كيف يُحبها ويقدّرها.. ومن يكون صادقاً مع الآخر فلأنه يحبه بالضرورة.
إذاً.. أنت صادق لأن فعل الحب يُسيّرك.. سواء أكان سهمه للداخل أو للخارج. وكأن سؤال “كارفر” يُعاد لأذهاننا كلّما تساءلنا عن الصدق، والعكس صحيح.. ما يؤكّد حالة تبادليّة بين ثنائيّة (الصدق، الحب)، فكل منهما يستحضر الآخر.. وأي خلل بأحدهما يربك الاثنين معاً.