الملحق الثقافي-سعاد زاهر:
قبلها بيوم حرب تشرينية من نوع جديد، أريق فيها الدم الشاب، ليمتزج بطهر تراب سورية، التي لازالت منذ أكثر من اثني عشر عاماً، تحاول نفض ركام الحرب عنها، إلا أن خفافيش الظلام تأتي لتعيدنا إلى خراب لا تريد له أن ينتهي.
الخامس من تشرين الأول، ليلة الخميس الأولى في شهر كل ما فيه كان ينذر بأجواء هادئة فنحن منذ حوالي خمس سنوات، لم نعد نسمع قرع طبول الحرب، التي امتدت على مختلف المدن والساحات.
الخميس لم يكن يوماً عادياً عند الكثير من الأهالي، كانوا على موعد مع تخرج فلذات أكبادهم من الكلية الحربية، والحشد الذي انتشرت صوره قبل التفجير الغادر، يظهر مدى امتنان الأهل لأولادهم على كل هذا الجهد، متأكدين أنهم في كل يوم سيكونون عند حسن ظنهم، وسيكونون منارة لوطنهم.
ارتفعت القبعات البيضاء، كحمامات سلام، ثوان وإذا بانفجار يهز الكلية الحربية بحمص، ولن تكون الحياة بعده، كما كانت، ما بين الفرح الغامر، والذهول والرعب، وأصوات لن ننساها ما حيينا، غادروا عالمنا شبابا لم يتجاوزا أوائل العشرينيات، لم يروا من الحياة إلا سحب الدخان، كبروا في الحرب، وغادروها في الحرب.
يا لهول الفاجعة، لا شيء قادر على تبريد أرواحنا، لا شيء يلملم جراحنا، إنه خميس أسود، سنتذكره ما حيينا، قبل ذكرى حرب تشرين التحريرية، هذه المرة إنها حرب من نوع جديد، لم نشهد لها مثيلاً.
مر الخميس، والجمعة يوم التشييع، ونكست الأعلام ثلاثة أيام، كل شيء يسير على البطيء كأن عقارب النسيان تريد بلسمة الجراح…
كيف…؟
وصور التخرج قبل النكبة بثوان لا تفارقنا، صرخات الأمهات، وأنين من تبقى…
الخريف ازداد كآبة، وأوجاعنا باتت مقيمة، سقيمة لا تغادرنا…
لكن رغم هذا الألم الرهيب مع كل جرح نولد من جديد، مع كل انتكاسة ينهمر فيها الدم السوري، نزداد اصراراً وتوحداً على إيقاع قلب واحد، موقنين أنه سيأتي يوم، مشع بما يتمنى السوريون بعد أن طرزته كل تلك الدماء الطاهرة.
العدد 1162 – 10-10-2023