عبد الحميد غانم:
أصبح الإعلام ساحة رئيسة في مواجهتنا مع الغرب والكيان الصهيوني، لا تقل أهمية عن ساحات المعارك والحروب، إذ يعتمد الإعلام الغربي على الأكاذيب والأضاليل وتسويف الحقائق تحقيقاً لأغراضه الاستعمارية، والتي تمثلت بداية في كذبة اختراع الكيان الصهيوني على أرض فلسطين العربية.
ومن جديد، يسقط مجدداً اليوم القناع عن الإعلام الغربي، وتتكشف أكاذيبه وزيف إدعاءاته وتضليله، حيث تحاول محطاته ووسائل إعلامه المرئية والمسموعة والمقروءة الهيمنة على المشهد الإعلامي العالمي، وتبني النفاق الغربي عبر نشر مواقف مشبوهة ومشوهة من القضايا والأحداث العربية، خصوصاً ما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي.
فالإعلام الغربي الأعور الذي يتعامل مع الأحداث بعين واحدة يتجاهل تماماً المذابح الجماعية في غزة بالطائرات الحربية الإسرائيلية وإبادة أحياء سكنية بكاملها واستهداف المشافي والمخابز والمدارس ويصب جل اهتمامه على فتاة ألمانية زعموا بأن الفلسطينيين قتلوها، ثم اتضح أنها على قيد الحياة وأن أهل غزة هم من أنقذوا حياتها.
الواضح أن الإعلام الغربي بات مشاركاً في الحرب على غزة وطرفاً أصيلاً منحازاً إلى جانب جيش الاحتلال الإسرائيلي بتضليل الرأي العام حتى يصمت على المجازر الإسرائيلية.
منذ بدء العدوان الصهيوني على غزة، والإعلام الغربي لا يراعي أبسط القواعد المهنية في ممارسة العمل الإعلامي ودخل على خط المعركة ضد العرب والفلسطينيين، منحازاً طوال الوقت للروايات والأكاذيب الإسرائيلية ومخالفاً لأبسط قواعد المهنة التي تشدقوا بها كثيراً وخدعونا بها وابتزوا الكثير من مؤسسات الإعلام العربية بشعارات الموضوعية والمصداقية.
لقد ضرب الإعلام الغربي كل المبادئ الإنسانية والدعوات الفكرية للحرية والمساواة والعدالة التي حملتها ثورات وأفكار الأوروبيين في العصر الحديث. حتى بات الإعلام الغربي ليس منحازاً للمحتل المعتدي والقاتل بل طرفاً مشاركاً متورطاً في الدم الفلسطيني والدم العربي المسفوك في بلدان عربية أخرى ممن تتعرض للاستهداف الأميركي والأوروبي.
فمن يصدق مثلاً صحيفة عريقة كبرى مثل صحيفة “ديلي ميل” والتي تأسست عام 1896 ويزور موقعها الإلكتروني 100 مليون زائر شهرياً، ومتوسط عدد القراء يومياً أكثر من مليون قارئ، تنقل أخباراً كاذبة عن مراسلة إحدى القنوات الإسرائيلية بأن مسؤولين إسرائيليين قالوا “إنهم عثروا على جثث لأربعين رضيعاً برؤوس مقطوعة في مستوطنة كفار عزا.” دون التدقيق من قبل الصحيفة البريطانية، في الوقت الذي كشف فيه إعلامي إسرائيلي اسمه “أورن زائيف” على صفحته في وسائل التواصل الاجتماعي كذب ما حدث، مشيراً إلى أنه شارك في الجولة الإعلامية، ونافياً وجود أي دليل عن قتل الرضع، وقال”الضباط الإسرائيليون لم يذكروا أي حادث من هذا القبيل”.
كما أن المحطات والشبكات الإعلامية الغربية عندما تذيع أخبار القصف الإسرائيلي الذي يستهدف قطاع غزة، غالباً ما تتعمد غض الطرف عن تحديد الجهة منفذة الهجوم، وتصيغ الخبر بطريقة لا تُحدد مسؤولية منفذ الهجوم، وتستخدم صيغة المبني للمجهول، فتقول مثلاً أن القطاع “تعرض لأضرار” أو “دُمر”، دون توضيح ملابسات القصف.
ويلاحظ المشاهد كذلك، تحيز تلك المحطات في المسميات المستخدمة في عناوين التقارير الإخبارية، حيث وصفت الهجمات التي نفذتها المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي بأنها “مذبحة”، في حين تستخدم مصطلحات معتدلة عند نقل أخبار العدوان الإسرائيلي، وتربطها مباشرة بقتال المقاومة، متجاهلة أن تلك الهجمات تؤدي إلى قتل مئات المدنيين أيضاً.
حيث نلاحظ الكيل بمكيالين في اختيار المصطلحات المنحازة، فمثلاً لدى “بي بي سي” في انحيازها للرواية الإسرائيلية، إذ جاء عند وصفها للأحداث، أن الإسرائيليين “يتعرضون للقتل، بينما جرى وصف الفلسطينيين بأنهم ببساطة يموتون”، وكأن الوفيات الفلسطينية عرضية أو غير متعمدة، أو مجهولة السبب، بينما تحدد بوضوح سبب وفيات الإسرائيليين نتيجة “أعمال عنف”.
لقد اخترق الإعلام الغربي أبسط قواعد وأخلاقيات العمل الصحفي في أثناء تغطيته للعدوان الإسرائيلي الجاري حالياً في قطاع غزة، حيث عمد إلى تصوير الجانب الإسرائيلي كضحية لعملية “طوفان الأقصى”، التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية في غزة، دون الالتفات كثيراً إلى العدوان الإسرائيلي الإرهابي على غزة وفلسطين قبل وبعد العملية، الذي أتى على الأخضر واليابس في القطاع واستهدف قتل الأطفال والشيوخ والنساء كما استهدف المشافي والمدارس والمخابز.
الإعلام الغربي الذي يدير المعركة الإعلامية منحازاً للعدو الإسرائيلي إلى جانب الحرب التدميرية ومروجاً لروايتها وأكاذيبها بسبق الإصرار والترصد والتعمد، والملفت في الأمر أن الجمهور العالمي غير مقنع بما يسوقه الإعلام الغربي، حتى الأوروبي، فمثلاً الاتحاد الأوروبي أعلن عن دقيقة حداد وصمت في الملاعب على “ضـحايا إسرائيل” لكن الجماهير الحاضرة للمباراة صدمت كل من في الملعب وأطلقت الصافرات والصرخات وأفسدوا هذه الدقيقة في 10 ثواني فقط.
فلا يمكنك خداع العالم بـالكذب والتدليس.