الملحق الثقافي- علم عبد اللطيف:
اليوم جاءتني الطفولة بذاتها.. جاء الطفل معتمراً براءتَه وصراحتَه.. قال.
تتذكرونني في كهولتكم.. تظنون أني أستجيب لكم وأحضر لديكم اكثر من شباب غادركم للتو.. دون أن يرفّ له جفن.. لا بأس ياأصدقاء.. مازلت فيكم؟.. ربما.. لا أجزم ولا أنفي لكني أعرف أنكم لا تتذكرونني بسبب جمال وروعة طفولة لم تأبهوا لها في شبابكم.. وأعرف أيضاً ان الخرق والحمق.. وربما الشقاوة أو اللامبالاة فيكم.. هي حالات تخصكم كباراً الآن.. لكنكم ترجعونها إليّ. هكذا نعم.. هي طفولتنا ولسنا مسؤولين عما تفعله.
في عموم الأحوال أعرف وتعرفون.. أن الطفل لا ينسجم ولا يتوافق ولا يتصاحب مع حالة نقيضة له.. لحى وشوارب ليس الملامح فقط.. بل ممارسة الكبر فعلاً.. باغترابكم عني.. أنتم كبارٌ عندما تقصدون.. وأطفال حين يخذلكم القصد.. كيف؟ كنتم تلعبون لعبة الحرب صغاراً.. لعبة صغيرة بصغركم.. لا يموت فيها أحد.. وإن كانت تنبئ عن استعداد فطري سيعلن عن نفسه يوما.. الآن تلعبون لعبة حرب حقيقية.. تقتُلون وتقتَلون.. تهدمون عالمكم.. تعتدون وتغتصبون.. فهل ترضى الطفولة بذلك؟.
أوقن. أنكم تتذكرون طفولتكم في وقت بتّم تشعرون فيه بقرب الرحيل.. فتعودون إلى زمن بعيد هرباً من زمن قريب كما تحسون دون أن تعترفوا.
لذلك لا بد أن أحيي فيكم ذاكرتَكم.. أشكر حفاوتكم المصطنعة بي كصديق قديم جرّبتم أن تستعيدوا العلاقة معه إرضاء لحنين أو رغبة بإعادة امتلاك ما فات.. ولا تدركون أن لكل زمن أصحابه لا يمكنكم استعادة ما تجازتموه.
يكفيني وفاءَ. أن أنبت على قبوركم عشباً.
أشفق عليكم يا أصدقاء.. الحياة ليست للجميع.. وداعاً.
بعد ان تستمعوا لما قلته.. ستكتبون.
يقول الطفل فيّ لدى اغترابي
إلى نفقٍ.. حملت معي العهودا
ولا أبغي مفارقتكم…… لضيقٍ
بكم أو كنتُ آتيها…… جحودا
هو العمر….. الذي يختار حالاً
به ويُقيمُ في الحال الحدودا
ومرّ بيَ الربيعُ….. وكنتُ فيه
فراشاً……. لا يفارقكم ورودا
ولن أُنسيكمُ.. الزمنَ المصفّى
وفيه كنتُ…… مِعطاءً ودودا
ولكني……….. أفارقكم غريباً
كما فارقتمُ زمنَاً………..بعيدا
غريبٌ…. والغريب له ارتحالٌ
وفي الترحال أحببتُ الشرودا
سأمضي بارتحالي في ظلامي
وذا قسمي….. وربّي لن أعودا.
العدد 1165 – 31-10-2023