لعل حديث الدكتور باري فيليب غيلدر سفير جمهورية جنوب أفريقيا في دمشق خلال الندوة الحوارية التي أقامها اتحاد الكتاب العرب تحت عنوان: (التضامن العربي والدولي مع الشعب العربي الفلسطيني، الواقع والمأمول) بمشاركة الأستاذ الدكتور محمّد المهذبي سفير جمهورية تونس والدكتور كمال بو شامة سفير جمهورية الجزائر الديمقراطية الشعبية، لعل حديثة في المقاربة ما بين نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وبين نظام الفصل ذاته في الكيان الصهيونى الغاصب، قد فتح المجال لاستعادة آليات المقاومة، واستخلاص الدروس والعبر التاريخية للتحولات التاريخية والمتغيرات الدولية التي ستنتجها تلك المقاومة، فالثائر البطل نيلسون مانديلا وكل أعضاء حزبه المقاوم والرافض لسياسة الفصل العنصري، كانوا يوصفون بالإرهابيين، لكنه بعد انتصار جنوب أفريقيا وهزيمة نظام الأربتايد والتمييز العنصري صار مانديلا يوصف بأنه رجل السلام، وهو بالفعل كان كذلك، وحافظ عليها طيلة حياته، وبعدها لتبقى تلك الصفة ملازمة لشخصية مانديلا كشخصية تاريخية.
ولعل اللاحقة واللازمة التي أتى بها السفير المهذبي في فكرة (إن اللغة ذاتها تقاوم) مهما حاول الساسة وعلماء النفس واللغويون المعتدون والاستعماريون تنميط المصطلحات الاستعمارية بحيث تؤثر في النفس وتترك آثارها في السلوك، فإن اللغة العربية ترفض ذلك التنميط الذي يهدف في النهاية إلى الإقرار بحق المعتدي الغازي والمحتل ونسيان الحق الأساسي في الأرض والعودة، ومهما سعى الصهاينة على امتداد أكثر من سبعة عقود لمحاولة كي الوعي العربي واستنباط سردية كاذبة لجوهر الصراع، فإن كل تلك الروايات الكاذبة سقطت أمام حقائق الواقع وحالة الوعي المتنامية والمتزايدة لدى الأجيال الجديدة، خلافاً كاملاً لما خطط له المجرمون الأوائل ممن اعتدوا وقتلوا وطردوا وحاولوا تغيير معالم المدن والقرى والأحياء والشوارع الفلسطينية، لكنهم فشلوا وخابت رؤاهم وسقطت أوهامهم، ليواجهوا بطولات لدى المقاومين ما كانوا يتصورن شكلها، الأمر الذي يفسر العدوان الصهيوني الوحشي على أهلنا في غزة، وما لاقاه من دعم أميركي وأوروبي يثبت أن الكيان الصهيوني هو جزء عضوي من تركيبة الغرب الاستعمارية، وليس مجرد قاعدة متقدمة له وظيفتها البنيوية تتمثل في ضمان الاستغلال الغربي للموارد الطبيعية والثروات المعدنية والعمل على استمرار حالة التخلف والضعف والتفكك والفرقة.
وحين نذكر الجزائر تقفز صورة التضحية والبطولات العربية الأصيلة، يعبر عنها سعادة السفير الدكتور كمال بو شامة وهو يغوص بذكرياته الكثيرة عن حرب التحرير والاستقلال ضد الاستعمار الفرنسي البغيض الذي مارس سياسة الأرض المحروقة في الجزائر في صورة تتشابه مع العدو الصهيوني اليوم، الذي يعتمد سياسة العدوان ذاتها فلا يتوقف عن إجرامه ولا يردعه قصف مستشفى أو استهداف المدنيين في المدارس والمخيمات، بل نراه يتمادى في الغدر، فيحدد للمدنيين طريقاً يسلكوه في خروجهم ، ليكونوا آمنين، فيقصفهم وينفنن فيهم قتلاً وتنكيلاً، في رد فعل وحشي لما أصابه من هزيمة وانكسار شوكة في السابع من تشرين الأول ، حيث كانت المفاجأة انتصاراً كبيراً للمقاومة الفلسطينية تراه أقرب من أي وقت مضى .