الثورة- حسين صقر:
لعل مايرهق الأهالي والطلاب معاً بعد صدور نتائج الثانوية العامة هو اختيار الفرع أو التخصص المناسب، والذي يتلاءم مع مستوى الطالب من جهة، والمستوى الاجتماعي من جهة ثانية، ولا يتعارض إلى حد ما مع رغبات الأهل في تدريس أبنائهم فروعاً لم يستطيعوا هم دراستها لتعويض بعض المنغصات التي مرت عليهم، ورؤية أنفسهم في هؤلاء الأبناء، ووضعهم على سكة الحياة الصحيحة.لكن ما يحصل لا يتفق مع هذا وذاك، ويحكم الاختيار في أحيان كثيرة الحاسب الإلكتروني عملاً بما يتواءم وقانون الاستيعاب الجامعي، ولهذا نرى أشخاصاً ربما أرغموا على دراسة فرع نتيجة لنقص جزء أو أجزاء من العلامة.
بالطبع الطالب الذي أغلق علاماته أو نقص منها بعضاً لاينطبق عليه ماسبق، لأن الخيارات أمامه مفتوحة ويختار مايريد، والفرع الذي يدونه في أول الرغبات على سلم المفاضلة، هو ما سيدرسه، وربما نجد القلة النادرة من بعض الطلاب يرغبون دراسة فرع أدنى من الفروع الأعلى التي تحق له واستطاع الحصول عليها، كأن يرغب بدراسة المعلوماتية وحصل على علامات التحضيري، أو التجارة والاقتصاد واللغات وغيرها، وحصل على معدل الهندسات، وهذا لايخضع للقاعدة أيضاً، لكن مايرهق الطالب والأهل معاً هو عدم حصول الطالب على علامات كافية للاختيار، وهنا تصبح رغبته بين مطرقة العلامات وسندان الحاسب الذي يوزع الطلاب حسب العدد المطلوب في كل كلية أو فرع، وهنا تبدأ رحلة البحث عن الجامعات الخاصة وترحيل الرغبات إلى الجامعات الثانية في باقي المحافظات، وهو ما يشكل أيضاً إرهاقاً جديداً وأعباء وتكاليف على الأهل الذين لن يكون أكثرهم قادرين على تأدية تلك الأعباء.
دائماً الرغبة شيء والواقع شيء آخر، وليس كل ما أرغب به يتحقق، ولكن كل ما أطمح إليه يمكن أن يتحقق بالمثابرة والتعب والإرادة والتصميم، لكن ما يجنح إليه الحاصلون على الشهادات الثانوية اليوم هو اللقب أكثر من إيجابيات الفرع أو سلبياته، حيث يرغب هؤلاء بلقب الدال أو الميم باخسين الفروع الأخرى حقها، وكأن الفرع أو الاختصاص هو من يصنع الشخص، متجاهلين أن الشخص نفسه هو من يعطي لهذا الاختصاص أو ذاك قيمته، وليس العكس، لأنه كم من طبيب عيادته فارغة، وكم من صيدلاني لايستطيع قراءة الوصفة، وكم من مهندس يستعين بمقاول ذي خبرة للتعلم منه، وكم من محام يلجأ لمعقب معاملات وهكذا، وكم من هاو يكتب ينظم الشعر أكثر من خريج في الآداب.ولهذا ما إن تصدر النتائج ويقترب صدور المفاضلة، حتى تعتري الطلاب والطالبات الحيرة إزاء التخصص الذي سيلتحقون به بعد الانتهاء من دراسة الثانوية العامة، في وقت لايترك فيه الاختيار للطالب ومنحه فرصة التسجيل في الفرع الذي يرغب، وتركه يواجه مصيره، كما أنه في الأغلب لاتترك لهم حرية اختيار التخصص المرغوب فيه.
التدخلات لاتقتصر على الأهل
إضافة لعامل العلامات الذي يعتبر الفيصل في الموضوع، هناك تدخلات لا تقتصر على الأهل وحسب، بل يظهر الكثير ليدلي كل بدلوه وإبداء رأيه، سواء أكان ذا خبرة أو دونها، وهو ما يدخل الأهل والطالب معاً في دوامة لايستطيعون الخروج منه، متجاهلين أن جعل الخبز لخبازه أفضل، وهو ما يدخل الطالب والأهل في خلافات لاتنتهي، بسبب تعدد تلك الآراء والتدخلات، في الوقت الذي يجب أن يترك فيها الخيار كاملاً لهذا الطالب وبما يتناسب مع ميوله وعلاماته، وليس على أولياء الأمور التدخل في الوقت الذي يتخبط فيه الطالب، وإبداء رأيهم بما يتناسب والوضع المادي والقدرة على الدراسة خارج المحافظة التي يقطنونها.وفي المقابل يرغب الابن في تحقيق أحلامه وفق مايناسب ميوله وقدراته، متناسياً قدرة الأهل، وهنا يبدأ الخلاف مرة أخرى بين الطرفين حيث يرى الوالدان أنهما أكثر خبرة وقدرة على تحديد مستقبل أبنائهم في حين يعتبر الأبناء أنهم الأقدر والأحق باختيار مستقبلهم.وتطرح هذه المشكلة وماينتج عنها من انعكاسات سلبية على نجاحهم الجامعي والوظيفي لدى أغلب الأسر، حيث تؤثر الاختيارات غير المناسبة على الأبناء وعلى نجاحهم في المستقبل.
التعرف على قدرات الطالب
وعن هذا الموضوع حدثتنا الاختصاصية التربوية روان عطالله والتي أكدت أن التدخل في تحديد مستقبل الأبناء يبدأ منذ الطفولة وذلك انطلاقاً من السؤال التقليدي ماذا تريد أن تصبح عندما تكبر؟ موضحة أن ثمة معايير تدخل في اختيار الطالب للفرع المراد دراسته، وهي التعرف على قدرات الطالب، وتحديد نقاط قوته وضعفه، ثم تحديد مهاراته وميوله، فقد تكون قدراته الرقمية عالية، ولكن ميوله للدراسات الإنسانية أكبر، فينجح ويبدع أكثر، موضحة أنه يجب الأخذ بعين الاعتبار توفر فرص العمل، ففي حال ركود التخصص الذي يرغب بدراسته، عليه البحث عن أقرب بديل يتيح فرص عمل بعد التخرج.
ونوهت لأهمية مراعاة الظروف العائلية، فهناك ظروف تستدعي وجود الطالب قرب والديه لأسباب خاصة، وكذلك مراعاة الظروف المادية للأسرة، من حيث تكلفة الدراسة ومدى استطاعة الأهل تحملها، وهنا يمكن البحث عن الدعم المادي، كالمنح والبعثات التي قد تساهم في تحديد المجالات الدراسية الأكثر طلباً ودعماً، كذلك التفكير بطبيعة العمل بعد التخرج، وهل تناسب الطالب؟ وهل الدخل مناسب؟ وهل يرى الطالب أنه سيكون في المكان الصحيح الذي يحقق طموحه؟
اطلاع الأهل على سوق العمل
وأضافت عطالله أن المراهقين اليوم لا يعلمون ما الذي يريدونه رغم الخيارات المتاحة أمامهم، ويرجع السبب حيث ترتبط الكثير من الوظائف التي يرغبها الأبناء بالوجاهة الاجتماعية.وأضافت لهذه الأسباب أنه على الأهل الاهتمام بهذه المرحلة المفصلية وتقديم الدعم والتوجيه للأبناء، والتركيز على شخصياتهم وقدراتهم وميولهم ووعيهم الذاتي، وتقول “يجب أن يكون الأهل مطلعين على سوق العمل، ومتفهمين لقدرات أولادهم، ومراعين للفروق الفردية وعدم المقارنة بينهم، والتعامل مع كل ابن كحالة لها حيثيات خاصة، كما عليهم توعية الأبناء بقدراتهم وميولهم ومهاراتهم الذاتية.