الثورة – رفاه الدروبي:
ديوان “قيثارة الحياة” الكتاب الثاني للشاعر مازن محملجي يحمل بين دفتيه ١١٦ صفحة من القطع المتوسط، ويضمُّ ست مجموعات تتناول الحب والجمال، النقد الاجتماعي، الرثاء، المديح، أمَّا مجموعة غسَّانيات فكتبها في وداع والده طبيب الأسنان عشيَّة سفره إلى أمريكا بداية القرن الحالي، وقدَّم للكتاب الشاعران زياد الجزائري والدكتورة أسيل مصطفى الأزعط.
الشاعر الجزائري أشار حين اعتلى منصة المركز الثقافي في ثقافي أبي رمانة، إلى أنَّ الشاعر المحملجي ابن الفيحاء، مدرِّس أوَّل للغة العربية وآدابها، تتلمذ على يد أساتذة كبار في جامعة دمشق منهم أستاذ الأدب الجاهلي راتب عبد الله نفاخ، وامتزج عشق مدينة الياسمين بروحه فأضافت إلى موهبته الكثير من النضوج، ورفعته إلى مستوى شعرائنا الأعلام كالبحتري وأبي تمام ما يعطي أدبه مكانة مرموقة في صدق ما كتبه، وتوظيف الشعر كرسالة سامية تغوص في كنه الجمال، وتفلسف الحبّ، وتُحامي عن الأخلاق والمبادئ الرفيعة:
يا مُلهِمَ الشعبِ أن يسعى لوحدته
بثورةٍ زلزلتْ أركانَ مُغتصبِ
فحقُّنا في روابي القدسِ مُستَلَبٌ
وحقُّ كلِّ أبيٍّ غيرُ مُستَلَبِ
ورأى الشاعر الجزائري بأنَّه يترنَّم بكلِّ قصائد ديوانه دون استثناء لم ينتابه سأمٌ أو ملل في التكرار بل تذوّقها بمزيد من الحلاوة وازداد طرباً ومتعة وأنساً بعذوبة البيان وبراعة الصنعة، ورأى نفسه أمام شاعرٍ أصيل وأديب عريق جمع إلى جانب الفصاحة والجزالة الشفافيَّة والعمق والبساطة وصدق المعاني وسلاسة التعبير وإحكام النظم ليصل بأسلوبه إلى ما نُسمِّيه “السهل الممتنع”، لافتاً إلى أنَّ المعاني في قصائده كلِّها على قدر المباني فلا إسفاف ولا حشو، بل سعة ثقافة ونضوج فكر.
كما أوضح أنَّ المحملجي انفعل بكلِّ ظرف يعتريه وسجَّله شعراً رائعاً ونشيداً خالداً، وأنَّه حيال الظروف إما عاشق ولهان، أو ابن بار إلى أقصى ما يكون برّ الوالدين، أو زوج وفيٌ، أو مخلص عفيف النفس أبيّ، وتارة أبٌ عطوف وأخ حنون، مشيراً إلى صدق مشاعره في النقد الاجتماعي ذي المعاني الراقية مع دقة في الوصف وبراعة الرصف وتفصيل غير مملّ وإيجاز غير مخل، فكان مديحه من باب العرفان بالجميل أو المحبة القلبية الصادقة، وكم يفيض حرقة ولوعة في رثائه لوالدته حيث أفرد لها أكثر من قصيدة وكل واحدة تنبض بمشاعر الحزن العميق على فراقها وذرف عبرات القلب والحنين اشتياقاً لعطفها ونصحها، وتقواها ولطف أخلاقها فقال:
يا لحزني وطول نحيبي
بعد أمي وعهد أمي الرطيب
ذلك العهد قد مضى بالأماني
ففؤادي من بعده في لهيب
بدورها الدكتورة الأزعط بيَّنت أنَّ الديوان مزيج من الفنون والشجون والحنين والأنين. عصارة الفكر والروح، وبعض من ترانيم الحياة بأفراحها وأتراحها وحلوها ومرّها، وأضافت: إنَّه طويل الباع في توثيق الحياة الاجتماعية السائدة في الفيحاء أيام الزمن الجميل، فخلَّدها في ديوانه الأول “أيام شامية” أحبَّ دمشق وجرى عشقها في دمه ألحاناً رائعة عبر قيثارته، فأتت قصائده عبارة عن شعر أصيل يهزُّ الوجدان ويُطرب الآذان ويستوي على المشاعر والأحاسيس ويستقرُّ في سويداء القلوب نغماً وعبقاً آسرين.