بين الهواية والمعرفة

ثمة متعلمون يختزنون معلومات ومعارف ، يعتقدون أن تلك المحفوظات وحدها تجعل منهم مثقفين ، وربما مثقفون استراتيجيون ، أو أصحاب نظريات ، معتمدين في ذلك على ما يجمعونه من آراء ومقالات ، متناقضة أحياناً ، ومتلاحقة معظم الأحيان ، فيحملون الجديد منها على محمل الحقيقة والمؤكد ، ويرمون بآراء غيرهم جانب الحديث ، وينسبون لأنفسهم تلك الأفكار والنظريات ، وحتى موضوعات التنجيم وضرب الرمل ، وصولاً إلى علوم الغيب مما تتناقله وسائل إعلام متناقضة ، وحتى وسائل التواصل الاجتماعي التي تجود علينا بكلّ مقولة منسوبة لمرجع أو باحث من صنع الوهم والخيال ، فيلتقطونها ويتلقفونها تلقف طفل صغير لقطعة حلوى يلتهمها سريعاً.
وما يجعل أزمة أولئك الأشخاص متفاقمة كونهم يتبؤون مناصب هامة في بعض الأحيان ، فتراهم يستعرضون حوادث التاريخ وفق أهوائهم ويسبغون عليها درجة الثقة المطلقة ، في الوقت التي تنتشر في الكتب والمجلات اجتهادات ورؤى وتفسيرات ووصوف مقترحة لا يجرؤ أصحابها من المفكرين والباحثين المختصين الجزم المطلق في إثبات صحتها ، لنرى حجم وشكل وطبيعة الفارق في إصدار الحكم القيمي بشأن أي قضية ما بين العالم المثقف المتمرس والباحث من جهة وبين الهاوي الذي يتمادى في إصدار أحكامه المطلقة ، والتي تكتسب الصفة القطعية غير القابلة للبحث أو النقاش ، وهي بالتأكيد لا تحتاج المراجعة.
هؤلاء الأشخاص موجودون في كلّ المجتمعات والمؤسسات ومختلف قطاعات العمل ، ولا تكاد جلسة تخلو من بعض فرسانهم ، فتراهم يجزمون الحكم ويطلقونه بأصوات عالية مستخدمين شتى الموضوعات المتناقضة وغير المترابطة وهم يحددون مسار التاريخ البشري ومراحل التطور الإنساني دون خجل من تأكيدهم على عدم كروية الأرض وجزمهم أن الثورة الأميركية حدثت قبل الميلاد بقرون عديدة وأن الفرنسيين شعوب فضائية ، فيما المقاومة الوطنية محصورة في نطاق تضيق به المساحات. ونراهم يتمادون كثيراً في ظلّ عدم ردعهم من جانب أصحاب العلم والمعرفة والمثقفين ممن يرتكبون أكبر الآثام بموقفهم وهم يتنصلون من دورهم في كشف تلك المهازل ، وتوضيح تلك الأخطاء، مع ضرورة الالتزام بميثاق أخلاقي يهتم بكشف الأضاليل وينتقد الآراء والكتابات السخيفة والسطحية ويضع دليلاً للكتابات التافهة وفق قواعد موضوعية دقيقة ، تبتعد عن النزعة الذاتية وترفض المواقف المسبقة وتتخلى عن الأحكام المسبقة والتوصيفات التقليدية والكلاسيكية والنمطية في التقييم والتقويم .
نعرف أن وسائل التواصل الاجتماعي قدّمت مساحة لأولئك الهواة ، فغدا كلّ من كتب جملتن شاعراً، ورافقته واحدة أخرى اعتلت مجد الإبداع بشهادات الأول وأمثاله ، وتبعهما آخرون يملؤون مواقع التواصل الاجتماعي بكتابات وفيديوهات تخلو من القيم العلمية والمعرفية وتطيح بكلّ قواعد اللغة من نحو وصرف وإملاء ومبنى ومعنى ، لتنتشر سريعاً وسط تصفيق ودعم وتكرار، لتبقى الصدمة تحكم المتعقلين وهم يعرفون أن إحجامهم عن النقد ومواجهة أولئك الهواة ما جعلهم يعتقدون أنهم مبدعون حقاً ، فامتلكوا الجرأة على اعتلاء منابر العلم والأدب ، وبدؤوا يعطون شهادات التقدير لمبدعين من أمثالهم ، فانهارت القيم وتراجعت المعارف والعلوم .

آخر الأخبار
منظمة "رحمة" تؤكد دعمها للتعليم المهني في درعا معرض دمشق الدولي .. عودة للصوت السوري في ساحة الاقتصاد العالمي صيانة وتركيب محولات كهربائية في جبلة معرض دمشق الدولي نافذة سوريا إلى العالم "المركزي" يضبط بوابة التواصل الإعلامي معرض دمشق الدولي .. رسائل ودلالات نيويورك تايمز: زيارة مشرعين أميركيين إلى سوريا لدفع إلغاء العقوبات ودعم المرحلة الانتقالية قطر تدين التصعيد الإسرائيلي في سوريا وتدعو لتحرك دولي عاجل أردوغان: تركيا ضامن لأمن الأكراد في سوريا وملاذ آمن لشعوب المنطقة الخارجية تدين التصعيد الإسرائيلي في القنيطرة وتؤكد حقها بالدفاع عن أرضها  الاعتداءات الإسرائيلية.. وحق سوريا في الدفاع عن حقوقها الوطنية المشروعة قوات الاحتلال تغتال الحقيقة.. هكذا يعيش ويعمل صحفيو غزة  بين الفائض و انعدام التسويق.. حمضيات طرطوس هموم وشجون.. وحاجة للدعم قرار الخزانة الأميركية.. خطوة تراكمية نحو تعافي سوريا دمشق تستعد للحدث الأهم.. المحافظ يتفقد آخر الاستعدادات في مدينة المعارض عودة اقتصاد الإبداع والهوية.. حرفيو حلب في معرض دمشق الدولي هذا العام الطفل الوحيد.. بين حب الأهل وقلقهم المستمر معرض دمشق الدولي.. جزء من الذاكرة الاجتماعية والاقتصادية لجنة التحقيق في أحداث السويداء تواصل عملها الميداني وتؤكد على الحياد والشفافية التحالف السوري الأميركي..  زيارة الوفد الأميركي إلى دمشق خطوة محورية لدعم تعافي سوريا