الثورة – إعداد ياسر حمزة:
لآلاف السنين بقي اللؤلؤ واحداً من أكثر أسرار الطبيعة غموضاً وانغلاقاً على فهم الإنسان.. وكل ما عُرف من هذا اللغز هو أن تلك الكرات الصغيرة الثمينة يُمكن العثور عليها في الأصداف التي تنمو في مواقع محددة من بحار العالم.
ومن المؤكد أن الإنسان طوّر معرفته بمصائد اللؤلؤ ومواسم الصيد وطرق استخراج اللؤلؤ، والإتجار به في أسواق العالم لصناعة الحلي والمجوهرات، إلا أن المعرفة لم تصل إلى فهم ذلك السرّ.
ولم يتوصل الإنسان إلى ما يفسر وجود لؤلؤة في هذه الصدفة من دون تلك.. ولماذا لؤلؤة هذه الصدفة أكبر حجماً من اللؤلؤة التي وُجدت في الصدفة الأخرى؟ ولماذا تختلف أشكال اللآليء وألوانها؟
هذه الأسئلة لم تجد إجابات علمية حتى ظهر الياباني كوكيشي مكيموتو في منتصف القرن التاسع عشر وكشف السرّ الذي مكّنه، لاحقاً، من تقليد الطبيعة وإنتاج اللؤلؤ عبر الزراعة.. ويكمن السرُّ في أن اللؤلؤ، أصلاً، ليس إلا وسيلة دفاع تلجأ إليها المحارة حين تتعرض لالتهابٍ وهي في حجرتها الصدفة.
المحارة كائن حيٌّ رخوي يسكن الصدفة، وأحياناً تتسلل كائنات دقيقة إلى داخل هذه الصدفة التي تؤمن لها الحماية، وتستقرّ فيها، فيُحدث ذلك التهاباً في جسم المحارة الحساس، فتلجأ هذه الأخيرة إلى إفراز مادة لؤلؤية على الكائن الذي تسبب في الأذى، وتواصل إفراز المادة إلى أن تطوقه، فتتكون الكرة اللؤلؤية.
أمضى مكيموتو أكثر من خمسة عشر عاماً في تجاربه المضنية، بمساعدة زوجته التي كانت شريكته في هذا الكشف، وقد لاحظا أن انخفاض درجة الحرارة عن سبع درجات مئوية تقتل المحار، كما أن النتيجة تتكرر في حال وضع عدد كبير من المحار في قفص واحد.
وبدلاً من أن يُنتج زرع الطفيليات في المحار لؤلؤاً؛ فإنه كان يقتلها، إذ كان يضع الجسم الغريب في غير مكانه المناسب.
أعاد مكيموتو حساباته، ورصد أخطاءه محاولاً تلافيها، وقام بزرع الأجسام الغريبة في خمسة آلاف محارة، وراح ينتظر النتائج، وفي أحد أيام سبتمبر من عام 1859م، تسللت زوجته سراً إلى أقفاص المحار المزروعة واكتُشفت أول لؤلؤة مزروعة في التاريخ.
ولم تكن النتيجة اختراقاً علمياً مدهشاً فحسب؛ بل إن اللؤلؤ الياباني الذي سرعان ما انتشر في الأسواق العالمية في عقود قليلة، أحدث زلزالاً مدوياً في اقتصاديات اللؤلؤ الطبيعي، وكاد يقضي عليها نهائياً، خاصة في العقود الأولى من القرن العشرين التي سجلت انهياراً موجعاً لتجارة اللؤلؤ الطبيعي وصناعته، وتوقفت أعمال الغوص والصيد، وراح تجار اللؤلؤ التقليديون يواجهون الخيبة تلو الخيبة في البحث عن أسواق جديدة تستقبل مخزونات اللؤلؤ الطبيعي الذي تكدس لديهم.
غير أن هذا الابتكار أسس لصناعة عملاقة جديدة تعرف اليوم نشاطاً عالمياً انطلاقاً من الشرق الأقصى وخاصة اليابان، الصين، كوريا، والفلبين.. كما سمح لكل نساء الطبقة المتوسطة في العالم بالحصول على هذه الحجارة الكريمة التي كانت سابقاً حكراً على الملوك وكبار الأثرياء في العالم.
ويُروى عن مكيموتو أنه سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وقابل توماس أديسون الذي أدهشه الاكتشاف، ووصفه بأنه معجزة علمية.
السابق
التالي