الملحق الثقافي- حسين صقر:
رغم قوة العقل والمنطق والحجة الناتجة عنهما في موازنة القضايا المصيرية و حسم القرارات، إلا أن العواطف قد تكون أكثر قوة أحياناً، وخاصة في موضوع «الإقناع»، إذ أنها تعتبر القوة السحرية و الفعالة لتغيير موقف أو رأي أو تعطيل مشروع أو الاستمرار فيه.
كثيرون من الأشخاص اتخذوا قرارات مصيرية في حياتهم، وعندما سئلوا عن تلك الشجاعة في سلوك هذا الطريق أو ذاك، كانت الإجابة « بعض القرارات تحتاج إلى قوة قلب وخفة في العقل» وهو مايثير الطرفة في الحديث، ولاسيما أننا كبشر نشعر ونحس بالألم والفرح والسعادة والحزن والابتسامة والعبوس، وكم من كلمة كانت سبباً برتق جروحنا، وأخرى أوسعتنا حزناً ووجعاً.
وكبشر أيضاً، نودّ أن نرى المنطق وراء معظم قراراتنا، لكن الواقع يختلف تماماً والأحكام تتغير بتغير الظروف والمواقف، وكي تتغير تلك المواقف، لابد من الكتابة والخطب والأحاديث والحوارات واللقاءات التي تتخللها الحجج والبراهين والتي تأتي على سكتي العقل و المنطق الذي يتوقف دور الأول فيها على الإدراك الصحيح والتمييز بين مختلف القضايا، ودور الثاني على الاستدلال السليم ومعرفة الأسلوب والطريقة المناسبة للوصول إلى الهدف، في وقت يأتي الوجدان والعاطفة لاحتواء المشاعر والانفعالات الناتجة عما سبق، ولهذا يقع القائم بفعل الكتابة بين كل هذه المصطلحات حائراً تراوده الكثير من الأفكار التي يتغلب فيها العقل والمنطق على العاطفة والوجدان حيناً وينهزمان حيناً آخر.
فالعقل البشري هو المحرك والمنظم والمؤشر الحقيقي للعاطفة الإنسانية، و هذا لا يعني وجود بشر عاطفيين على المطلق أو بشر عقلانيين بالمطلق أيضاً، إنما يوجد أحكام عقلانية يُترك فيها مساحة للعاطفة، وأفعال وجدانية يُحسب فيها حساب للعقل والمنطق، لتكمل تلك المصطلحات بعضها البعض وتحقق الغاية المرجوة من وراء الموقف الخاضع للنقاش.
كثير من الأشخاص يطغى عندهم العقل على النظام العاطفي، وهؤلاء نحسدهم حيناً ونتعاطف أو نشفق عليهم حيناً آخر، في وقت يغلب لدى البعض العاطفة لديهم في اتخاذ القرار، وهؤلاء إذا صح لنا نحزن عليهم لأنهم يفقدون ذواتهم أولاً بأول أمام التضحيات الجسام التي يقدمونها، وهو أيضاً لايعني أن من يفكرون بعقولهم لايضحون، لكنهم لا يخسرون مقارنة بمن تغلب لديهم العاطفة على العقل.
إذا هذا إلى حد ما الفرق بين العقلانيين والعاطفيين فلا فكر ولا عاطفة مطلقة دون عقل، لأنه المحرك المشغل لكل ما نتوقع ولا نتوقع على المطلق، بينما الوجدان قوة باطنية تشمل مجموع الأحاسيس والانفعالات و العواطف و الاتجاهات و الميولات التي يتفاعل معها من حب وكراهية وتعاطف ولذة أو ألم وميل ونفور، إلى آخره من أحاسيس إنسانية مختلفة، وهنا يتدخل المنطق للفصل بين النقيضين لكونه يكفل دراسة مناهج الفكر وطرق الاستدلال السليم للوصول إلى القرار السليم، و هو القادر على التمييز بين الأفكار المنطقية القوية منها والضعيفة.
ولهذا بالنتيجة فالعاطفة والعقل يُشكلان ركيزتين أساسيتين في بناء الإنسان، فلهما الدور الأساسي في التأثير في سلوكه وتصرّفاته سواء الجيدة منها أو السيئة، فيكونان حاضرين في المواقف ويشتركان في التأثير بها مع وجود صراع بينهما في بعض الأحيان، حيث كثيراً ما نواجه صراعاً داخلياً بين عقلنا وعاطفتنا، وغالباً ما ينتج عن هذا الصراع قرارات مصيرية قد تؤدي بنا إما إلى الانتصار وتحقيق النجاح، أو إلى الفشل والهزيمة.
العدد 1169 – 28-11-2023