بين ميادين التوجيه والإعلام والأدب الحسّون: على الأدب أن يستعيد عرشه من وسائل الاتصال.. والشعر يحتاج ناقداً يبتغي وجهه
رنا بدري سلوم
” أن تكون تربويّاً هي مهمة لا تنفصل عن الإبداع بل تعطي الشعر نسغه والشعر يعطيها من روحه، لكن يبقى الشعر حالة ترف أحياناً تفرض نفسها كما هي، وأن تكون تربوياً لابدّ أن تكون محكوماً بمعايير, ولابدّ أن يكون لديك مدخلات تقابلها مخرجات, ولابدّ أن تحتكم بعملك إلى ميزان الربح والخسارة على عكس الشعر والشاعريّة” هي إجابة الدكتور مصطفى الحسّون الموجّه الأول لمادة اللغة العربية والشاعر والإعلامي الذي يشكر ضيوفه الشعراء والأدباء للتغذية الراجعة التي يمنحونها له في برنامجه الثقافي “مبدعون” من إعداده وتقديمه، رداً على سؤالي ما المهمة الأصعب أن تكون تربوياً أم أن تكون شاعراً مثقفاً، وخاصة أن العمليّة التربويّة تحتاج إلى تفرّغ؟
في حوار مع صحيفة الثورة يجيب الدكتور الحسّون على أسئلة لامسنا في إجابتها روح الأستاذ والتلميذ في آن.
– ما هي الرسالة التي توجهها لقارئك كشاعر، وهل استضافتك للشعراء في برنامجك ومتابعة إصداراتهم جعلتك تهمل ذاتك الشاعريّة؟
–أجد في برنامجي الثقافي الأسبوعي” مبدعون” على التربويّة السوريّة حالة تحفيزيّة وخاصة حين أقوم بكتابة مقطعات شعريّة كمقدّمة له ويشعر ضيوفي أنني أدخل بتفاصيل شاعريّة تحاكي روح المعنى والمبنى لديهم وتصلني تغذية راجعة منهم ومن الجمهور تشعرني بالمتعة حين تجدني غوّاصاً استطاع أن يقبض على لؤلؤة ثمينة في بحر خضم.
أما رسالتي للقارئ هي أن القصيدة تتجلّى في أثواب كثيرة فأحياناً أقدّم القصيدة من خلال ندواتي التعليميّة ومن خلال برنامجي ومن خلال موقف حياتي لا على التعيين، وهنا أقول لهم أنا أقدّم حبّي واحترامي وحرصي، وأستعير قول نزار قبّاني:
شعري أنا قلبي ويظلمني
من لا يرى قلبي على الورق
– ما أثر غيابك عن المنابر الثقافية وظهورك التلفزيوني وما هي الجوانب السلبية والإيجابية في ذلك ؟
–للمنابر سحر خاص وللقاعات رائحة تشبه رائحة الكتاب الورقي إذا قارناه بالكتاب الالكتروني، لكن تبقى ظروف العمل تحكمنا إلى جانب أن الإعلام يعطيك متعة خاصة أنك أمام جمهور واسع ،ولاسيما أن المشاهدة متاحة مراراً وبوسائل مختلفة، يوتيوب، فيسبوك وإلخ.
– برأيك، كيف نعزّز قيمة الأدب والفنّ ودورهما في بناء المجتمع؟
–من خلال القدوة الحسنة وأراها في كثيرمن الشخصيّات الأدبية وفي أعضاء اتحاد الكتاب العرب وغيره من المؤسسات الثقافية، لهم وافر الاحترام والتقدير ويشهد لهم الحرص على الارتقاء بالحرف والحرفة، يبقى أن يستطيع الأدب والفن اليوم أن ينافس وسائل الاتصال الأخرى ويحافظ على عرشه أو يعيد انتزاعه من جديد أو ينجح في تطويع تلك الوسائل لخدمته والإسهام في انتشاره وذلك يتطلب عودة الوهج من جديد.
– كيف يمكن تعزيز دور الأجناس الأدبيّة وبيان التقاطع والتلاحم بين شعرها ونثرها؟
الشعر ديوان العرب، وإن خبا وهجه قليلاً لا يعني أن يحل محله جنس آخر، فإن رحل يرحل وعرشه معه، أما باقي الأجناس فلها جمهورها ونقّادها وهي تتلمّس طريقها بخطوات ثابته وتثبت حضورها وأؤكد أن الإبداع هو الإبداع أينما وجد.
– ما هي الجوانب التي تسلط الضوء في شخصية المعلم والتربوي إضافة إلى مهامه الجسيمة؟
–من الشخصيّات التي استضفتها الفنان الكبير موفّق مخول وحين تحدث عن جداريّة المزّة التي دخلت موسوعة غينيس، قال أردت أن أجعل من الفن ملكاً للعامة وليس حكراً على الفيلات الفاخرة، وكان يأتيني من يقول: “هذا فنجاني القهوة كسرت أذنه وأحتفظ به منذ عشر سنوات ويحمل ذكريات عزيزة على قلبي ولا أريد التفريط به فضعه لي عندك في الجداريّة إلى جانب مفاتيح البيوت وغيرها من الرموز” ..مما يعني أن الجداريّة لم تكن مجرّد توالف بيئة وإنما قصص وأحلام وأرواح وحكايات.
– باعتبارك معداً ومقدماً للبرنامج الثقافي “مبدعون ” اذكر لنا بعض اللحظات المؤثرة والمثيرة أثناء عرض الحلقات؟
–من المقاطع المؤثّرة، كانت لضيفي الأديب محمد الحفري حين استرجع ذكريات بلدته معربا والأنهار التي تمر فيها وذكريات أمّه وشبابة أبو سرور ونعوش الشهداء…اغرورقت عيناه بالدمع…فأمسكت نفسي أيضاً كي لا أجهش بالبكاء ونحن على الهواء مباشرة.
– حدثنا عن بعض الشخصيات التي استضفتها وأبرز ما تمّ تناوله؟
–في قصيدة الشاعر قصي عطيّة ضيفي الأول، يتحدث فيه عن مدينته فيقول: “بانياس يا مدينة التعب ..مشهد. يشعرك كيف الحبّ يصير مسؤولية وعبئاً حين يكاد القلب ينوء بأحماله. أيضاً الشاعرالكبيرزاهرقط الذي آلمني ماحلّ بمكتبته والمضامين التي حملها لحنظلة مطلق اليدين …آلمني ما قالته الشاعرة الدكتورة لارا ستيتي عن أخيها الشهيد عروة وعن شهداء الوطن عموماً…قامة كبيرة مثل أستاذي الدكتور غسان السيّد أعطى ومضة رائعة عن أهميّة المسرح وكيف يعلم الشعوب الحوار، كلهم مبدعون بحق.
– ما عدد الإصدارات الشعرية لديك، وبرأيك ماذا تحتاج الساحة الشعريّة اليوم؟
–أصدرت ديواني شعر “عندما يأتي الخريف” عام ٢٠٠٢ وعن الهيئة السورية للكتاب “تداعيات لامرأة مستحيلة” عام ٢٠١٨ وعن الهيئة السورية للكتاب ضمن سلسلة.. أعلام “كتاب للناشئة عن الشاعر وصفي قرنفلي” وقيد الإصدار مجموعتي شعر”ذات ضوء” و”طقوس للحب والحلم والكتابة”.
أما الساحة الشعريّة فهي تحتاج ناقداً يبتغي وجه الشعر ولا يرى غير الشاعريّة معياراً ومقياساً، عذراً أقول:إنّ معاييرالنقد والثناء والقبول والرفض، مرهونة أحياناً بالمواقف والعلاقات الشخصيّة وأستعير مرة أخرى قول القائل” : الناس في بلادنا لايقرؤون القصيدة بل صاحب القصيدة”.