رفاه الدروبي
الأهزوجة فن قديم عرفه العرب منذ الجاهلية، وتُعتبر نوعاً من الأناشيد الشعبية الغنائية، لا يصاحبها أيُّ نوع من الآلات الموسيقية. تعتمد في إلقائها على المدِّ الطويل للكلمات مع إصدار الصوت الواضح الدال على التمديد.
باحثة التراث الفلسطيني الدكتورة نجلاء الخضراء أشارت إلى أن الأهزوجة الفلسطينية عبَّرت عن واقع عاشه الشعب الفلسطيني، وعكست مشاعره، ووثَّقت تاريخه وعاداته وارتباطه بأرضه وتفاعله معها وتفانيه لأجلها، وانتقلت مشافهةً بين الأجيال دون معرفة قائلها، فاستطاعت أن ترسم ملامح هويته وتكون جزءاً لا يتجزأ منها، ودليلاً على تاريخه المتجذِّر الذي يصعب تزييفه والتلاعب بأوتاره على أصحاب الأرض وملّاكها الذين رووها بدمائهم في كل مرَّة داستها أقدام العابثين الطامعين، فرددها الآباء والأمهات، وارتجلها الرجال في الحروب وأثناء العمل.
وأكَّدت الدكتورة الخضراء أن النسوة صدحن بها في الأعراس والأفراح، وندبّن على أولادهن وأزواجهن وأحبابهن وشهدائهن، وترنَّمن بها أمام المناضلين لبثِّ روح الحماس بين صفوفهم، ودندن بها المزارعون وأصحاب الحرف والمهن في ساعات العمل، واستعار المحبُّ من جمال الأرض وألوان طبيعتها في وصف الحبيب، ونسج عبارات الغزل.
كما أوضحت أنَّ الأهزوجة الشعبية تعتبر أحد عناصر التراث، ويمكن لكلِّ متمعِّن بها أن يضع يده من خلالها على مواطن الألم ومحطات العذاب التي مرّ بها الشعب الفلسطيني، كما يمكن الوقوف في محتواها على معرفة أساليب الحياة والعادات والتقاليد المُتَّبعة لديه كي يحاكي أرضه ويتعايش معها، وينهل منها طعامه وشرابه وأدواته المستخدمة للتغلب على ظروف الحياة وقهر القهر، ويعطيها من ثقافته وحضارته وفنونه وتصوراته وقيمٍ آمن بها، فنشعر من خلال حروفها ونغماتها بحبٍّ عظيمٍ للأرض راسخ كرسوخ تراثها، ومتجذِّر كتجذُّر تاريخها، وأصيلٍ كأصالة شعبها.
السابق