فؤاد دبور – كاتب أردني:
لم تتفاجأ باتخاذ مندوب الإدارة الأمريكية في مجلس الأمن الدولي قرار إسقاط المشروع العربي المقدم إلى مجلس الأمن حول وقف إطلاق النار مع قطاع غزة (وليس وقف العدوان) حيث استخدم حق النقض “الفيتو” بما يعني دعم هذه الإدارة للعدو الصهيوني باستمرار ارتكاب المجازر الدموية البشعة والتدمير والحصار والتجويع للمواطنين الفلسطينيين في القطاع ويأتي هذا الدعم السياسي للعدو الصهيوني إضافة للدعم العسكري والمالي وقد اعتادت الإدارات الأمريكية المتعاقبة على اتخاذ مثل هذا النهج الداعم للصهاينة المجرمين عبر كل الإدارات وبخاصة في مجلس الأمن الدولي.
وذلك نظراً للتأثير الكبير للمنظمات اليهودية والصهيونية حيث تتحكم هذه المنظمات في رسم السياسات من خلال شبكة المؤسسات وبخاصة الشركات الرأسمالية والهيئات المالية والإعلام والمؤسسات العسكرية والسياسية وهي شبكات ومؤسسات تعمل بتخطيط وتوجيه من الجماعات اليهودية واللوبي الصهيوني التي تشكل منظمة “الأيباك” القوة الأكثر نشاطاً وقدرة في هذا اللوبي.
وقبل الحديث عن منظمة “الأيباك” وأهدافها التي تصب جميعاً في خدمة الكيان الصهيوني بخاصة واليهود بعامة لا بد وأن نتوقف عند معنى اللوبي ودلالاته والذي هو مصطلح يطلق على مجموعة أو مجموعات تعمل بشكل منظم في ممارسة ضغوط على مراكز صنع القرار في الاتجاه الذي يخدم الأهداف التي تعمل على تحقيقها، واللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية يشمل اليهود والصهاينة وأنصارهم الذين يسعون وباستخدام كل الوسائل لإجبار صانع القرار الأمريكي على اتخاذ القرارات المؤيدة للكيان الصهيوني ومصالح اليهود في هذا الكيان وخارجه.
وبالعودة إلى منظمة “الأيباك” التي تشكل المنظمة الأهم والأكثر نشاطاً وتأثيراً في مجموعة اللوبي الصهيوني واليهودي وذلك عبر الانتشار الكبير في معظم الولايات المتحدة الأمريكية تحت اسم “لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية”، ما جعلها المنظمة الأقوى التي يستخدمها الصهاينة في تحقيق مصالح كيانهم الغاصب في فلسطين، حيث تضم هذه المنظمة مؤسسات وشركات وأفراداً وصناديق أموالاً علنية وسرية ومراكز دراسات متخصصة وشبكة واسعة من المنظمات السرية والعلنية التي تعمل جميعاً من أجل تحقيق أهداف تم وضعها وتصب جميعها في مصلحة اليهود والصهاينة ومن أبرز هذه الأهداف وأهمها الحفاظ على ما تسميه وحدة “الشعب اليهودي” عبر تجميعه في الكيان الصهيوني عن طريق الهجرة والمحافظة على هويته وحماية اليهود في كل مكان والدفاع عن الكيان الصهيوني وتوفير مستلزمات أمنه واستمرارية وجوده عبر تحضير وتهيئة الأجيال لقيادة الكيان.
وهذا يتطلب التحرك المباشر مع المؤسسات الأمريكية وبخاصة الكونغرس لكسب أكبر عدد من أعضائه لدعم مخططاتهم الهادفة لخدمة الكيان الصهيوني وقد تمثل تحقيق هذه الأهداف بوقوف اللوبي الصهيوني بعامة ومنظمة الأيباك بخاصة وراء السياسات الأمريكية والحروب الأمريكية ضد العرب ويأتي في المقدمة منها الحرب العدوانية ضد العراق في شهر آذار عام 2003 حيث شكلت هذه المنظمة المحرض الأقوى والأكبر داخل الولايات المتحدة الأمريكية على احتلال العراق ساندها في ذلك فئة من أعضاء الكونغرس الذين تربطهم صلات وثيقة بحزب الليكود الصهيوني الذي يتزعمه هذه الأيام رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، مثلما تشكل هذه المنظمة المحرض الرئيسي ضد الاتفاق النووي مع جمهورية إيران الإسلامية بذريعة أن هذا الأمر يشكل خطورة كبرى على أمن الكيان الصهيوني.
كما كان لهذه المنظمة الدور الأساسي في الانتشار العسكري الواسع في المنطقة عبر القواعد البرية والبوارج البحرية للحفاظ على مصالح الولايات المتحدة الاقتصادية والعسكرية والسياسية وتوفير الأمن والدعم للكيان الصهيوني في تحقيق مشروعه الاستعماري التوسعي على حساب أرض العرب وثرواتهم ومصالحهم.
وهذا يدل على أن منظمة الأيباك تلعب دوراً أساسياً، إن لم نقل الدور الأساسي في تحديد مسار السياسة الأمريكية الخارجية بما يخدم مصالح الكيان الصهيوني التي تحددها حكومات هذا الكيان بما يعني دفع الإدارات الأمريكية لاتخاذ مواقف وسياسات وقرارات تخدم هذه المصالح عبر نفوذ المنظمة ولنا من قرار الرئيس الخاسر ترامب المتعلق بالقدس العربية والجولان العربي السوري المحتل الدليل القاطع على تأثير اللوبي الصهيوني على نهج ترامب السياسي الداعم للكيان الصهيوني.
ما يعني أن الرئيس لا يملك رؤية ولا سياسة مستقلة فهو محكوم بمصالحه الشخصية ومصالح الحركة الصهيونية ولا يجوز إطلاقاً أيضاً أن يراهن أحد من العرب وبالذات السلطة الفلسطينية على الإدارات الأمريكية في الوصول إلى أي حلول تعطي الشعب الفلسطيني ولو جزءاً يسيراً من حقوقه سواء أكانت هذه الإدارة ديمقراطية أم جمهورية.
ولنا في العدوان على سورية والاحتلال الأمريكي لمنابع النفط فيها الدليل القاطع على نفوذ منظمة “الأيباك” التي تدفع وبكل قوة الإدارات الأمريكية لاتخاذ سياسات معادية للدولة السورية لأنها ترى في سياساتها خطراً على الكيان الصهيوني وذلك عبر مواقف سورية في دعم المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق ورفضها تمرير مشروع الشرق الأوسط وما يسمى بصفقة القرن التي تهدف إلى تصفية قضية الشعب العربي الفلسطيني وخدمة مصالح الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية التي تهدف إلى إنزال المزيد من التجزئة في أقطار الوطن العربي بل تفتيتها لإضعافها ما يسهل تنفيذ الأطماع الصهيونية في الثروات العربية وانتشارها في المنطقة ولنا أيضاً في موقف الإدارة الأمريكية المساند والداعم للكيان الصهيوني في عدوانه على قطاع غزة وفلسطين من شمالها إلى جنوبها وسورية ولبنان دليل قاطع.
ونخلص إلى القول بأن حكام الكيان الصهيوني وحكوماته المتعاقبة يمارسون البطش والقتل والإرهاب واغتصاب الأرض وإقامة المستعمرات الاستيطانية عليها ويعملون على تنفيذ مشروعهم اعتماداً على اللوبي الصهيوني ومنظمة “الأيباك” التي لها تأثيرها الكبير في توجيه السياسة الأمريكية عبر نفوذها المعتمد على امتلاكها للمؤسسات التي ذكرناها، مالية، إعلامية، ثقافية، عسكرية، ما يجعلنا نؤكد بأن هذه المنظمة تصنع السياسة الأمريكية الخارجية لخدمة مصالح الكيان الصهيوني ويهود العالم.
ونؤكد أن الرئيس الأمريكي جو بايدن ومن جاء قبله ومن سوف يأتي بعده يدعمون الكيان الصهيوني ويمدونه بكل أسباب القوة وهذا يمثل العداء للعرب، ونذكر فقط بمقولة لبايدن “أنا صهيوني متشدد” كما قال أيضاً “إسرائيل القوة الأكبر لأمريكا في الشرق الأوسط”.
وهذا ما أثبتته مجريات العدوان الصهيوني القائم الآن، حيث الدعم العسكري بعامة والبوارج الحربية في البحر المتوسط حماية للكيان الصهيوني بخاصة.
* أمين عام حزب البعث العربي الديمقراطي في الأردن – تحت التأسيس