الثورة – دمشق – علاء الدين محمد:
لطالما كانت الكتابة بالنسبة لي ملجأ وشغفاً، فكنت على الدوام عندما تبدأ المشاعر والأفكار بالتلاطم بداخلي، ألجأ إلى قلمي الذي ينطق على الورق ما لا يبرع لساني بالتعبير عنه، خط قلمي دموعاً عجزت مقلتاي عن البوح بها، وضحكات بدت لي بعيدة المنال فكانت تلك الورقة انعكاساً صادقاً لشخصيتي، لم تراودني الخواطر يوماً بنشر ما أكتب على الملأ، ولكن يبدو أن للقدر رأياً آخر، إذا ساقني لمعرفة مؤسسة سباق بيت الفن والأدب وكادرها المحترم والمميز.. لهم كل الشكر والامتنان على الدعم الذي قدموه لي.
بهذه الكلمات بدأت الكاتبة إيمان إسماعيل حفل توقيع مجموعتها القصصية (فجر آخر) في ثقافي المزة بدمشق، حيث قدم كل من الأديبين أيمن الحسن، وعمر جمعة قراءتهما لهذه المجموعة، فأكد الناقد الحسن أن هذه القصص تحمل جدارتها لأنها تخلد سيرة شهداء سقطوا في الحرب الظالمة التي تعرضت لها بلدنا الحبيبة سورية، وعدم ذكر الأسماء الصريحة للشهداء أفقد المجموعة توثيقيتها للمرة الثانية.
غير أن هذا ما تصر عليه الكاتبة منذ البدء في مقدمتها إذ تقول: أود أن أشير إلى أن محتوى هذا الكتاب هو أحداث مستقاة من وحي الخيال، ولا تمت إلى الواقع بصلة، وهنا أسأل: أليس من وظيفة الأدب أن يؤرخ للحوادث الكبيرة في حياة الوطن والشعب، أجيب نعم بل هي وظيفة نبيلة سامية لا تنسى الأجيال القادمة أولئك الأبطال الذين مهدوا لهم الطريق إلى حياة ملؤها السلام وبلا خضوع للغازي أو للإرهاب المتطرف أو المستبد، ولكن ربما رأت في ذلك الكاتبة انتقاصاً من فنية القصة عندما تتحدث عن حوادث وقعت بالفعل بأسماء أصحابها الذين عاشوها، وفي هذا وجهة نظر في أي كتابة بالمطلق لا يمكن وسمها بالواقعية المحضة، إذ يتدخل فيها الخيال ونبتعد عن التشخيص لأنه قد يوقعنا في إشكالات نحن في غنى عنها..
الكاتبة في مقدمتها تذكر الهدف من كتابها بالحرص على إنشاء جيل مبارك وغرس بذرة الخير الطيبة في نفوسهم ، لتعود البركة إلى أيامنا وعباداتنا وعلاقاتنا ووطننا الغالي ، وهنا تبدا الكاتبة قصتها بمشهد من الطبيعة وتعود الى هذا المشهد مع ختام قصتها ولا تنسى ربطه بالشخصية أو الشخصيات الفاعلة.
كما أحسنت اختيار عنوان مجموعتها، فلم تكن عنوان إحدى القصص كما هو معتاد، كذلك أحسنت في تجنيس عملها مجموعة قصصية وليست قصصاً كثيرة، فأغلب القصص صارت سيرة لأبطالها.
هذا السرد الذي لم يسلم من التطوير أحياناً ومن الشرح في أحيان أخرى ،و التطوير والسرد غير مجندين في القصة عموماً، لأنهما يضعفانها ويشعران القارئ بالملل، وبعد وقوع الحدث الأساسي يجب أن لا نطيل السرد لأن الذروة وصلناها في القصة بانتهاء هذا الحدث، ولم يبق إلا بعض الإضافات الصغيرة لإضاءة ما هو ضروري.
أما الناقد جمعة فبين أن الحرب بتداعياتها البغيضة فرضت منطقاً مختلفاً في الكتابة السردية، وأرخت بظلالها الكئيبة على القصة والرواية التي أضحت مثخنة بالموت والجراح النازفة، وبالحكايات التي تكاد تطغى أيضاً على النتاج الإبداعي الشاب، بما تحمله تلك الحكايات من وجع مستبد وألم مقترن بأمل كبير منتظر، ربما سيشرق يوماً من ابتسامة طفل أو من نسمة حب، تهب على هذه الأرض التي أثقلتها مواجع الأمهات والآباء والبنات والأبناء.
في مجموعتها القصصية “فجر آخر” اختارت الكاتبة إيمان المحمد فضاء الحصار لتبني عليه سرديتها الأثير المحمولة على حكايات تتوق لتدق ناقوس الحقيقة، التي ما انفكت تنوس تارة وتشع تارات أخرى.
لتروي تراجيديا أي مدينة أو بلدة أو قرية سورية.. إنها الحكايات التي عشناها أو عايشناها على المستوى الفردي، أو الجمعي لتغدو اليوم ذاكرة مترعة بالوجع، والحنين والتساؤل اليومي، ما الذي جرى وكيف ولماذا جرى، لنتلمس إجابات ما سبق في ثماني قصص خبرتها إيمان المحمد بآلام من مروا في خاطرها.