الملحق الثقافي-رنا بدري سلوم:
لا يخلق الإبداع من العدم أو اللا شيء، هناك حبلٌ سري ما يربطه بالتجذّر، البدء والخلق، الذات والديمومة، هو استمرار لا يتوقف مع الزمن، لا يفقد ملامحه مع عجلة الوقت بل العكس يجمّله ويعكسه بحيوات مختلفة، والكتابة الإبداعية كذلك حصيلة عمر الخبرات والسنوات والمشاعر، امتزجت في فكر كاتبٍ يريد من خلالها التحرّر بطريقة ما من ما هو موجود لنحلّق معه إلى عوالم حالمة يشدّنا إليها، ويتبادر إلى الذهن قول الشاعر محمود درويش بقصيدته «إلى شاعر شاب»: «لا تصدق خلاصاتنا، وانسها/ وابتدئ من كلامك أنت، كأنك/ أول من يكتب الشعر» ..ويضيف: «لا نصيحة في الحب، إنها التجربة/ ولا نصيحة في الشعر، لكنها الموهبة». الموهبة وجه من الإبداع ولعله مرتبط ارتباطاً وثيقاً بجماليّة التعابير واللغة والمهارات وغيرها من الأدوات التي تنمقه وتنميه وتقدمه بأبهى الصور، القصّة و الرواية و الشعر والنثر والمسرح وغيرها من الفنون، بطريقة مبتكرة بعيدة عن التقليد الأعمى فلا يكون نسخة عن واقعه ولا يكون منفصماً عنه، وبين هاتين الحالتين يكمن الإبداع الحقيقي في خلق حالة خاصة تكوّن به ذاتية المبدع، وفي مقاربة نذكرها مع رايلكه شاعر ألمانيا الأعظم في العصر الحديث لعنوان مقارب لدرويش في كتابه» رسائل إلى شاعر شاب» يكتب «سيدي العزيز، لم أجد لك نصيحة إلا تلك: تعمَّق في ذاتك وابحث في أعماقها التي تنبع منها حياتك، ففي نبعها ستجد الإجابة عن السؤال ما إذا كان عليك أن تُبدع.. خذها كما تبدو، من دون تأويل، ربما يتضح عندها أنك خُلقت لتكون فناناً، ستجد حياتك على أي حال من تلك اللحظة طُرقًا خاصة بها، وأتمنى، أكثر مما يمكنني قوله، أن تكون تلك الطرق جيدة وغنية ورحبة».. وبين رسائل درويش ورايلكه تأكيد على أن المبدع الحقيقي عليه أن يوصل رسالته المؤثرة بطرق صادقة وحيوية تستمد مصدر إشعاعها من مصدر ذاتي وتنقيب وجداني لابد منه.
العدد 1171 – 12 -12 -2023