اتخذت مشكلة الإسكان والسكن بعداً أكثر تعقيداً مما كانت عليه طيلة عقود سبقت، فالمسكن طالما كان تحدياً صعباً أمام طالبيه حتى في أفضل سنوات الازدهار الاقتصادي والاستقرار، واليوم أمسى حلماً من جملة الأساسيات التي نقلتها الأزمة الصعبة إلى خانة الأحلام.
ولا يبدو في الأفق القريب أن ثمة حلاً متاحاً لهذه المشكلة، في ظل الارتفاع الكبير وغير المسبوق في التكاليف، أي لا يوجد حلّ اقتصادي ممكن، لذا سيكون الخيار الواقعي البحث في البعد التنظيمي للقطاع.. قطاع الإسكان الذي يعني كل مواطن.
أولى الخطوات يجب أن تتجه نحو تعميم نموذج السكن الاقتصادي الصغير أو ما يسمى “استوديو”، وهو النموذج الذي ينتشر في معظم دول العالم ونرفضه نحن السوريون لأننا ما زلنا ننظر إلى المسكن الفضفاض كميزة، كما ابتعد عنه المتعهدون والمقاولون واتحاد التعاون السكني سابقاً ووزارة الإسكان حالياً، على الرغم من أن قانون التطوير العقاري رقم ١٥ الذي كان ينظم تراخيص الشركات المتخصصة في هذا المجال كان يشترط أن تلتزم كل شركة بتنفيذ نسبة من استثماراتها على شكل مساكن صغيرة “سكن اجتماعي”، لكن لم تلتزم ولا شركة بالقانون، ولم يُلزمها أحد، واتجهت نحو بناء الفلل والسكن السياحي والضواحي المخصصة لحائزي الأموال الكبار وميسوري الحال.
اليوم لا بد من تنظيم جديد لمهنة التطوير العقاري، وترخيص شركات متخصصة كلياً بالسكن الاجتماعي أو الاقتصادي، ومنحها تسهيلات وميزات أفضل من باقي الشركات.
نعلم أن الوضع الراهن يجعل حتى الحصول على مسكن صغير غير ميسر أمام الشباب الباحثين عن مسكن يبدؤون فيه حياتهم الأسرية، لكن لا بد من الذهاب باتجاه مثل هذا الحل الاستراتيجي، حتى لو تحسّن الواقع الاقتصادي للبلاد، لأن مشكلة الإسكان ستبقى قائمة بسبب انحسار مساحات الأراضي الجاهزة للبناء، وصعوبة تخديم الضواحي السكنية والتوسعات الجديدة، وهي مشكلة لمسناها جميعاً حتى خلال سنوات ما قبل الحرب على بلدنا، فكيف سيكون الأمر خلال سنوات طويلة قادمة؟.
فالمتغيرات مكثفة محلياً وعالمياً على مستوى خيارات الاستثمار السكني وكذلك تدابير طالبي السكن، وهذا أحد تجليات إعادة الهندسة التي تتطلبها مرونة التعايش مع الأزمات.
نهى علي