الثورة – لينا إسماعيل:
قبل سنوات ليست بعيدة، كانت فكرة الاستغناء عن الصحافة المطبوعة ضرباً من النكران لحضورها، على الرغم من معاناة الصحف المحلية وقتها من إشكاليات التوزيع والانتشار، ومما كان يدور حولها من قراءات وثابة نحو المستقبل.
ولكن سرعان ما بدأت ملامح التراجع في الإقبال على الصحف المحلية تزداد وضوحاً، نتيجة ظهور مواقع إلكترونية ناقلة للخبر لحظياً، مع بعض الاستطلاعات والتحقيقات التي استقطبت الكثير من الخبرات الصحفية، إلى أن تعززت ملامح العصف المعلوماتي الذي قلب موازين التعاطي مع الأحداث والتفاعل معها على مدار الساعة، من دون أن نغفل دور ارتدادات الحرب العدوانية على سورية، وما وصلت إليه الأمور في كل المجالات ثم جاء وباء كورونا ليؤثر على حضور الصحافة المطبوعة تحديداً من غياب قسري مؤلم.
لكن الحقيقة لم يكن تراجع حضور صحافتنا نتيجة لتلك المتغيرات فحسب, بل كان لأسباب عديدة منها تواضع مساحة التدريب والتأهيل على مستجدات المهنة تقنياً، ومعلوماتياً، (إلا ما ندر)، فكان لهذا العامل دور بارز في هذا التراجع، بما في ذلك التعرف على معايير النشر الناجح، الذي يحقق أعلى نسب للمشاهدة، وتصدر مؤشرات البحث عبر الإنترنت.
إضافة إلى التدريب على الكتابة الإلكترونية المستحدثة، من قواعد السيو SEO – والوورد برس WordPress التي من المفترض أن يجيدها الصحفي، ليحقق التميز عن باقي وسائل التواصل والمواقع وصناعة المحتوى، ويقزم ضجيجها البعيد عن حرفية الصحفي ومهنيته.
في الوقت الذي بقي فيه الصحفي- من دون أن نعمم- معتمداً على خبرته الأكاديمية والمهنية السابقة لهذا العصف التكنولوجي، ما حال دون وصوله إلى مفاتيح التعاطي مع ثورة المعلومات باقتدار تنافسي، كان من المفترض أن يفتح له دون غيره آفاقاً مؤثرة لا حدود لها.
وهذا يعني أن الصحافة عموماً، بصورتها التكنولوجية، لم تفلح أيضاً في استعادة حضورها كسلطة رابعة، على الرغم من قدرات شخوصها، المشهودة في مواجهة أصعب التحديات والصعوبات، ناهيكم عن سببين جوهريين أيضاً أولهما: تأثر الصحفي كغيره من فئات المجتمع بالوضع الاقتصادي، في ظل ضعف تعويض طبيعة العمل، والحوافز وكل ما من شأنه دعمه مادياً ومعنوياً للبحث والتقصي وصولاً إلى مادة صحفية متكاملة.. والسبب الثاني تراجع الدور كسلطة رقابية، بعد أن كان للمقال حضور، وللمحتوى أصداء شعبية، واستجابات حكومية.
ذلك أن استجابات الجهات المعنية لما يتناوله الصحفي وردودهم الرسمية من جهة، ومتابعة الجهات الرقابية وتحركها عقب تسليط الضوء على مكامن الخلل أو التقصير، له دور أساسي في حضور الصحافة كسلطة رقابية لها تأثيرها الفاعل والمتابَع من قبل القاعدة الشعبية، ولا يمكننا إغفال دور الصحافة الوطنية قبل سنوات ليست بعيدة في إرسال بعثات تفتيشية، تحققت وأصدرت قرارات تصويب رادعة، ومطوِّرة في كثير من الأحيان، وكل تلك الإجراءات اعتمدت على ما كان ينشره الصحفي في جريدته أو وسيلته الإعلامية.
وهذا لا يعني أن الواقع حينها كان مثالياً على الدوام، لكن الاستجابات أعقبت بالفعل العديد من التحقيقات الموضوعية التي توفرت فيها المهنية، ما دفع العامة لمتابعة الصحف الوطنية، للوثوق بأخبارها من جهة، وترقباً لما ينتج عن طروحاتها من استجابات وردود مسؤولة من قبل الجهات المعنية والحكومية، والرقابية من جهة ثانية.
باختصار كان هناك فعل صحفي يقابله رد فعل مسؤول، وهذه هي المعادلة التي تراجعت معالمها، لتترك لمجاهيل العواقب، ما أدى لواقع غير صحيح في خضم النوافذ المعلوماتية المشرعة على العالم، والتي أتاحت للجميع نقل الخبر مباشرة، لكنها لم تكن لتفلح في التعويض عن مهنية الصحافة الرسمية أو الخاصة لو أن الأخيرة حظيت بالحصانة المطلوبة من حيث المعالجة والأخذ بالحلول والتصويب المسؤول لتكتمل من خلاله معادلة الدور المنوط بالصحافة والإعلام عموماً.