الثورة – دمشق – عمار النعمة:
استطاع أن يحتل مكانة قوية في قلوب القراء، من خلال تقديمه العديد من الأشعار والمسرحيات التي عشقها الجمهور وتعايش معها، واليوم مازال حاضراً متغلغلاً في المشهد الثقافي ومازلنا نردد قصائده، فهو الذي قال عنه الشاعر الراحل محمود درويش ذات يوم (كم حيرني فيك انشقاق طاقــاتك الإبداعية عن مسار التخصص كعازف يحتار في أي آلة موسيقية يتــلألأ… ألم أقل لك إن واحداً منــك يكفي لتكون عشيرة نحل تمنح العسل السوري مذاق المتعة الحارق).
إنه ممدوح عدوان الشاعر والكاتب المسرحي والصحفي صاحب التجربة العميقة والغنية في الإبداع والذي نحتفي بذكرى وفاته هذه الأيام المولود في قرية “قيرون” بمحافظة حماة السورية عام 1941، حيث تلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي فيها، ثم تخرج من قسم اللغة الإنجليزية من كلية الآداب بجامعة دمشق عام 1966.
كان عدوان يعمل قبل تخرجه في صحيفة الثورة منذ عام 1964، كما بدأ في ذلك الوقت بنشر شعره في العديد من المجلات العربية، لامتلاكه الثقافة والموهبة في آن معاً.. فهو بدأ شاعراً، لأنه أحب أن يكون ذلك، ثم انطلق فيما بعد إلى المسرح والرواية والترجمات والتلفاز.
هو بلا شك متعدد المواهب، وقد أثبت ذلك خلال مسيرته الإبداعية التي أثرى من خلالها المكتبات السورية والعربية بمؤلفاته، حيث قدم ما يزيد على خمس عشرة مجموعة شعرية، وأهمها (الظل الأخضر، وتلويحة الأيدي المتعبة، والدماء تدقّ النوافذ، وأقبل الزمن المستحيل، وأمي تطارد قاتلها)، كذلك ما يزيد على عشرين مسرحية نثرية وأخرى شعرية وأهمها: (المخاض- مسرحية شعرية، ومحاكمة الرجل الذي لم يحارب، وهاملت يستيقظ متأخراً، وكيف تركت السيف، وليل العبيد، وحال الدنيا، الخ)، ولاننسى تجربته في النصوص التلفزيونية وأهمها: الزير سالم العمل التلفزيوني الأشهر في تاريخ الدراما السورية الذي تابعه الآلاف من المشاهدين بالإضافة إلى المتنبي، ودائرة النار، والأيدي المتعبة.
كان ممدوح عدوان من شعراء قصيدة التفعيلة، وظل متمسكاً بها بل كان يدافع عنها دفاعاً مستميتاً، فشكل مع أبناء جيله من الشعراء كوكبة من الشعراء الذين رسخوا وحافظوا على تلك القصيدة ودورها في حياتنا الأدبية.
ظل الشعر في نفس عدوان الأكثر تأثيراً رغم كتاباتها المتنوعة، فحسب رأيه الشعر ينطلق من حالة شبيهة بالجنون، بمعنى أن الشاعر عندما يكتب قصيدة ويقدم رؤيته السائدة والمألوفة لايكون قد قدم شيئاً مهماً، ولكنه إن استطاع بلحظة من اللحظات الإشراقية أن يرى ما لايراه الآخرون وكتب عنه فهو بذلك يفكر بطريقة مختلفة تقربه من الجنون، ولهذا كان لا يستطيع أن يكتب شعراً إلا إذا شعر أن هناك جانباً جديداً في نفسه يريد أن يكشفه.
في ذكرى الرحيل نقول: رحيل هؤلاء الأدباء موجع، لكننا سنتابع مهمتنا، لن نكل ولن نمل، وسنعزي أنفسنا بأن ما زرعه عدوان وأصدقاؤه سيبقى نبتاً حياً.. كيف لا وهو الذي كتب همومنا اليومية واحتفى بالحياة لابالموت، فكان الغائب الحاضر بيننا والمؤمن بأن الكلمة لا تفقد قيمتها مهما طال الزمن أو قصر.
