بقلم رئيس التحرير أحمد حمادة:
هنا في غزة لا حماية دولية للصحفيين لأن “المدلل غربياً” هو الجلاد الصهيوني، هنا قواعد السلامة المهنية مستحيلة لأن المعني الغاصب الصهيوني، هنا الستر الواقية، والخوذ المحصّنة لا تفي بالغرض لأن العدو يدمر بطائراته كل شيء بالمكان، ويبيد الحجر والشجر والإنسان.
أكبر “مجزرة في تاريخ الصحافة” العالمية، هو التوصيف الوحيد لاغتيال الكيان الإسرائيلي لنحو 100 صحفي حتى الآن خلال عدوانه على غزة، وبوقت قصير لا يتعدى الشهرين ونصف، وفي بقعة جغرافية ضيقة لا تكاد تعادل محافظة صغيرة في أي دولة.
استهدفهم بشكل متعمد وممنهج، ليس في الأماكن التي قصفها فحسب، وليس خلال تغطيتهم للعدوان فقط، بل لاحقهم حتى في أماكن عملهم، في مكاتبهم، في منازلهم، وفي كل مكان يشتبه بوجودهم به، بل وأكثر من ذلك أرسل رسائل تهديد لهم بأنه سوف يقتل عائلاتهم ويدمّر بيوتهم، وفعلها مراراً.
لم يكتفِ العدو بملاحقتهم، والتضييق عليهم، بل قطع الاتصالات عنهم، وكل سبل الحياة، ولم يشهد التاريخ كياناً إرهابياً يرتكب مثل هذه المجازر البشعة، كما فعل الكيان الإسرائيلي في غزة، ولم يمر العالم بمشهد الصمت المطبق حيالها كما يمر اليوم، بقي متفرجاً، وكأن ما يجري في كوكب آخر.
لم تشهد الحروب والأزمات اغتيال هذا العدد الكبير من الصحفيين، بشكل متعمد ومبرمج، من دون أن يرف للعالم جفن، ومن دون أن يتحرك الاتحاد الدولي للصحفيين، ومن دون أن تتحرك النقابات أو المنظمات الحقوقية الدولية، بشكل فاعل لوضع حد لتلك الاغتيالات، بل اكتفت كالعادة بالإدانة والشجب والقلق، كما سبقها “بان كي مون” وغيره من أمناء الأمم المتحدة.
المثير للاشمئزاز أن جيش الاحتلال الإسرائيلي ترك الكثير من الصحفيين لساعات طويلة وهم ينزفون قبل استشهادهم، ومنع سيارات الإسعاف وطواقمها من الوصول إليهم، وهدد “الهلال الأحمر” وتوعده إن حاول الوصول إليهم لإنقاذهم، لأنه عدو يريد إرهاب الصحفيين قبل المواطنين الأبرياء، ويرغب بقتلهم كي يتوقفوا عن فضح جرائمه المروعة.
براهين وصور وفيديوهات لا حصر لها توثق كل هذه الاغتيالات والتصفيات ولا حياة لمن تنادي، أدلة ومعلومات لا تحصى، والمؤسسات الدولية المعنية نائمة وصامتة صمت أهل القبور، بل وتنافق علناً، وهي التي كانت للتو تدعي الدفاع عن الإعلاميين في أمكنة أخرى من العالم، وإذ بالـ “القط يبلع لسانها” هنا.
اليوم الغرب، مع ماكينته الإعلامية المضللة، متهم بجريمة أخرى وهي التغطية والتستر على جريمة “إسرائيل” في اغتيال الصحفيين، لا بل سعي تلك الماكينة إلى تبييض سمعة الاحتلال الإسرائيلي عبر تجاهلها رصد وتوثيق قتل العشرات من هؤلاء الصحفيين تحت حجج كاذبة وواهية.
أخيراً ما يثير الغضب أن كل المؤسسات الدولية الإعلامية والحقوقية اكتفت مواقفها الخجولة بالمطالبات بوقف الاغتيالات، ولم تتحرك قانونياً على الأرض لرفع الدعاوى أمام محاكم العالم لملاحقة جيش الاحتلال وأركان الإرهاب في ما يسمى “حكومة إسرائيل” ومحاسبتهم على جرائمهم النكراء.
صحيفة “الثورة” تتابع في الملف السياسي التالي تفاصيل العدوان الإسرائيلي على الصحفيين واغتيالها المتواصل لهم، وحقيقة التواطؤ الغربي مع الكيان، والأميركي تحديداً، والصمت المريب للمؤسسات الدولية، واكتفائها بالتفرج عليه، وفي مقدمتها الاتحاد الدولي للصحفيين والمنظمات الأممية الحقوقية والسياسية.