الثورة- هفاف ميهوب:
من الواضح أن إنسان العصر الحالي، قد بات ورغم فرط عواطفه، يهتم بالمشاعر التي تهزّه بقوّة، وتبهره بارتجاجاتها الموجعة و الانفعالية، أكثر من تلك التي تدفعه للسكينة والهدوء، والتأمّل والعاطفة والاحساس والغبطة الروحية.. هذا ما اكتشفه الفيلسوف والكاتب الفرنسي “ميشيل لكروا”.. وهذا ما دفعه للبحثِ في أسباب “عبادة المشاعر”.
الكتاب الذي تناول فيه، كيفية تحكّم المشاعر بإنسان عصرنا، والظروف التي جعلتها تنعكس على جميع مجالاتِ حياته، وبتعاظم دورها وقوّة تأثيرها، وقدرتها على أن تكون “داء القرن العشرين”.
داء المشاعر التي تهزّ كيان الإنسان بعنفٍ، وبضوضاءٍ تدفعه لليأس والضجر والغضب الذي لا يستكين، إنه ما جعله يشعر بأننا نعيش عصر المشاعر، وبأن شعار إنسان هذا العصر: “فلتهتزّ روحي لكلّ ذبذبات العالم”.. جعله أيضاً، يحلّل هذه الظاهرة بطريقة فلسفيّة ونفسيّة، فيدعو للعودة إلى العاطفة والمشاعر الهادئة، بعيداً عما يخدم النزعة الاستهلاكية.
أما عن سبب هذه الظاهرة، فيجده في تقوقع الإنسان وإحساسه بعجزه عن التفاعل مع العالم المتطور، مثلما عن التأثير فيه بسبب العولمة التي تقوده إلى مستقبلٍ مجهول، يجعله يفكّر:”بما أن العالم لا يمنحني الفرصة للتأثير فيه، فإنه لايبقى لي سوى أن أمارس قدراتي على نفسي، فعلى الأقل هي ستتركني أنفعل، بفعل الاهتزازات التي سأحدثها
“..إذاً..”عبادة المشاعر” تعبير عن الانفرادية، وتقديسٌ للأنا، وتضخيمٌ للذاتِ، وهي ليست موضة أو وسيلة للتعبير عن الذات، بل نتيجة مباشرة لتطور الأفكار العلمية.. ليس هذا فقط، ما تناوله “ليكروا” في عبادة المشاعر، بل أيضاً، دور لغة الحياة اليومية في تقديم، ما يحرّض المشاعر الصاخبة على حساب الهادئة، وذلك عبر استخدام وتكرار مفردات تسويق السلع وأدوات الترفيه، والحملات التي تتوالى فيها الإعلانات.. أيضاً، صورة الإعلام ونشرات الأخبار، وكذلك الأفلام ولاسيما أفلام الخيال والرعب والعنف.
كلّ ذلك، يعطي الكثير من الشحنات الانفعالية لمشاعرنا، ويجعلنا نبتعد عن المشاعر التأملية، ونميل إلى الغضب الذي بات شعار عصرنا، وهو ما جعل الكاتب يرانا، ولو بشكلٍ خفي: “نميل إلى الهمجية”.
كلّ ذلك أيضاً، يدفعنا للسؤال: ما الحلّ؟.. ليكون الجواب لدى “لكروا” وأيضاً عبر سؤالٍ، يحرّضنا فيه على تبنّي قوله:”هل لازلنا قادرين على الاهتزازِ لأشياءٍ عادية وطبيعية؟
نظرة طفل، حفيف الريح بين الأشجار، غناء الطيور، لوحة فنية، قصيدة شعرية.. ألا يجعلنا كل هذا، في غالب الأحيان، نبدي عدم الاكثراث؟!..”..

التالي