صقور: الشاعر يحمل رسالة إنسانية هادفة.. وكل إنسان يمتلك أحاسيس أخلاقية ووجدانيـــة يكتــــب عــن فلسـطين
الثورة- عمار النعمة:
عندما يكتب الشعر تشعر بجمال الكلمة ودفء العبارات، قصيدته مستقاة من الحياة وللحياة والإنسان، يمزج بين الواقع والخيال بمفردات متنوعة ولغة مثقلة قوية فتتراقص أشعاره في شغاف القلب والروح .. إنه الشاعر بديع صقور صاحب السجل الحافل بالأعمال الأدبية والكتابات والأشعار التي تتناول أغلب المناحي الإنسانية والوطنية والاجتماعية.
صحيفة الثورة التقته لتقلب معه بعض الصفحات فكان اللقاء التالي : في مجموعتك الأخيرة هناك لوحات متعددة الألوان بمفردات متنوعة يكتحل فيها الشوق بالجرح والخوف بالوله والوحدة بالأنين ماذا تحدثنا؟ بالنسبة إلى مجموعتي الأخيرة بعنوان زهرة الريح وتبقى الجبال، هي اسم افتراضي لقريتي التي تشبه ملايين القرى على هذه الأرض، وهو ما كتبته خلال رحلة الحياة منذ ولادتي حتى أكملت السبعين عاماً، وهذا العمل بالنسبة لي إنجاز كبير أتمنى أن يلقى التقدير والاهتمام من الآخرين لأنني حاولت أن أكتب بلغة وطريقة جديدة، عملي هو جنس عابر للأجناس ليس هو رواية وليس قصة وليس شعراً وليس سيرة ذاتية وإنما هو كل هذه مجتمعة، منذ لحظه الولادة حدثتني أمي عن لحظة ولادتي ومدرسة الطين، بيوت الطين، الطبيعة التي عشنا بها، السهر تحت ضوء القمر، الذهاب الى بيت شيخ الكتّاب، المواويل والعتابا والأغاني، حكايات الطفولة، حكايات القهر، حكايات أولئك الناس البسطاء الذين عاشوا على هامش الحياة، تربيت معهم وحكيت عنهم، وتنقلت في هذا العالم بعد أن كبرت، فجاءت رحلة الحياة، سافرت إلى بلاد كثيرة فكتبت عنها، عايشت أقوامًا وأناساً وأدباء وشعراء وكتاب التقيت بالكثيرين في هذا العالم، لم يكن في داخلي إلا الحب والسلام إلى الآخر، ربما كانت حياتنا قاسية وصعبة وفقيرة ومتعبة ولكنها كانت مليئة بالشوق والحنين والمحبة، كل ذلك جاء في كتابي، هو سفر كبير بالنسبة لي لأنني أنجزت هذا العمل وجميل على الأديب أن يبدع عندما يكتب عن ذاته وتماهيه مع الآخر.
لن تغيب فلسطين عن مسيرتك الشعرية ماذا تقول اليوم أمام مانراه ؟ كتبت الكثيرعن فلسطين، كتبت عن محمد الدره، وعن أطفال الحجارة، كتبت قصيدة (حناء على شرفات القدس) كتبت قصيدة لمحمود درويش حين رحل، وعن كثيرين من أصدقائه الذين عايشتهم وكانوا أقرب إلى القلب، عشت معهم وعشت تجربتهم لأننا حينما كنا نلتقي بهم يتحدثون عن النكبة وعن القتل والدمار والخراب وعن كل ما يحدث في أرض فلسطين، فكل إنسان يمتلك أحاسيس إنسانية وأخلاقية ووجدانية يكتب عن فلسطين وأهل فلسطين وشعبها المقاوم، حينما زرتها التقيت بأسر الكثيرين من الشهداء، أولئك الذين نكتب عنهم لنرفع لهم أسمى آيات الحب ولنكتب عنهم أجمل القصائد من أجل فلسطين ومن أجل أبناء غزة وغزة وكل المضطهدين على هذه الأرض، وبما يمليه علينا الضمير الإنساني والأخلاقي.
كيف ترى علاقة الشاعر بالناقد وهل ثمة نقاد حقيقيون لدينا؟ أنا أقول حينما يصدر عمل ما فهذا العمل هو ليس ملكي هو ملك الآخرين، ناقداً كان أو قارئاً أو متلقياً، بمعنى أنني لا أخاف أي ناقد فربما هو يرى هذا النص برؤية غير الرؤية التي كتبت بها، ويحاول أن يدخل إلى عوالم هذا النص قد يصيب وقد لا يصيب لكنني لست غاضباً من أي ناقد يوجه نقداً لأي كتابة أكتبها . وأضيف: من المؤكد أن هناك عدداً كبيراً من النقاد الكبار لدينا ممن يقرؤون أعمال الأدباء بشكل جيد وتقني وحرفي، لكن كما قلت العمل حينما يولد هو ملك الآخر، والذي يبقى في الحياة هو ما نبقيه من جمال في الكلمة والقصيدة واللغة والصورة الشعرية التي تصل إلى شغاف القلب وهنا يكون الإبداع..
كيف ترى المشهد الشعري اليوم ؟ هناك الكثير من الأدباء والكتّاب، هناك كتّاب الرواية والشعر والقصة والمسرح… وأنا أتمنى أن يكون كل العالم يستطيع أن يكتب الشعر، لكن الحقيقة أن المشهد الشعري في سورية و الوطن العربي ربما يعاني الكثير لأن وسائل التواصل الاجتماعي وجدت أو ظهرت وربما الكثير ممن يكتبون ابتعدوا قليلاً عن متابعة القراءة ومتابعة كل ما يكتب وكل ما ينشر، وأنا حقيقة حزين جداً لأننا لا نقرأ كثيرًا .. فالشاعر الحقيقي عندما يريد أن يكتب قصيدة واحدة فيجب أن يقرأ ألف قصيدة.. وبالتالي أقول: كي نطوّر المشهد الشعري فيجب أن يكون هناك ثقافة واسعة عند الشعراء واطلاع على كافة المذاهب الأدبية والمدارس، فليس المهم أن نكتب بل المهم أن نعطي للعالم وللآخر صورة إنسانية جميلة و أغنية حلوة شفافة.. المشهد الشعري هو مشهد كبقية المشاهد في هذه الحياة أتمنى أن يكون هناك في المستقبل أدباء لهم حضور وأن يكونوا كالنجوم والأقمار الساطعة في عالم الأدب ينيرون الدروب للقادمين إلى هذه الحياة.
تقول عندما أكتب أي نص فهو ينبع من القلب وكل ماكتبته هو ينتمي لي لأنني أنتمي للإنسان ماذا تقصد بذلك؟ نعم، أكتب بصدق وواقعية، فما أكتبه ينبع من ينبوع القلب ومن أحاسيس الروح، أكتب دائماً لأنني إنسان، والإنسان هو الذي يحب الإنسان ويحكي عن حكاياه وعن وجعه وقهره، أكتب للبسطاء الطيبين، للمقهورين، للجياع، لأولئك الذين عشت معهم وعايشتهم، عن الظلم، عن القهر، عن الأوطان التي تسلب من أهلها كما في فلسطين، ولذلك ما معنى أن يكون الإنسان إذا لم يكن إنساناً محباً صادقاً وفياً لكل الذين يعيش معهم، أن يكون صاحب رسالة إنسانية، لاسيما أن الشاعر أو الأديب هو صاحب رسالة إنسانية تنبع من القلب وتغنيها وتصدح بها روح الإنسان في سماء هذا العالم.