الثورة – جهاد اصطيف:
منذ أكثر من ستة عشر عاماً، وتحديداً في العام 2008، أطلقت المؤسسة العامة لإكثار البذار مشروعاً طموحاً لإنتاج بذار الفطر الزراعي بنوعيه المحاري والأبيض، في خطوة تهدف إلى تعزيز الأمن الغذائي، وتنويع مصادر الدخل للأسرة السورية، وتوسيع دائرة المنتجات الزراعية المحلية، حيث يتميز بقيمته الغذائية العالية وسهولة زراعته حتى في المساحات الصغيرة.
غذاء صحي ومصدر دخل
يعتبر الفطر من الأغذية الغنية بالبروتينات والفيتامينات والمعادن، فضلاً عن كونه قليل السعرات الحرارية وخالياً من الدهون تقريباً، وهذا ما يجعله غذاءً مثالياً للوجبات الصحية والمتوازنة، وخاصة في ظل تزايد الوعي المجتمعي بأهمية الغذاء الصحي.
وفي هذا السياق، تؤكد رئيس المشروع الوطني لإنتاج بذار الفطر، نور قهواتية، وفق بيان المؤسسة، أن المشروع جاء استجابة لحاجة ملحة في السوق السورية، ويعزز قدرة المزارعين على الحصول على مادة أساسية لبدء مشاريعهم، مضيفة: إن المؤسسة تعمل على إنتاج بذار الفطر الأبيض والمحاري بجودة عالية، وتحرص على تلبية احتياجات المزارعين والأسر المهتمة بهذا النشاط، بما يضمن استمرارية المشروع وتوسيع دائرة المستفيدين منه.
مصدر دخل للأسرة
المشروع لا يقتصر على الجانب الغذائي فحسب، بل يتعداه ليشكل مصدر دخل إضافي للأسر، وخصوصاً في الريف، حيث يمكن للعائلة الواحدة أن تخصص غرفة صغيرة أو مستودعاً بسيطاً لزراعة الفطر، لتحصل خلال أشهر قليلة على محصول وفير، يمكن استهلاكه منزلياً وبيع الفائض في السوق المحلية.
ويوضح المهندس الزراعي حسن عبد الغفور، خلال حديثه لـ”الثورة”، أن ميزة زراعة الفطر لا تحتاج لمساحات واسعة ولا تجهيزات باهظة الثمن، بل يمكن إقامتها في أي مكان مغلق نسبياً، وهذا ما يجعلها مناسبة جداً للأسر المحدودة الدخل، التي تستطيع عبر استثمار بسيط أن تحقق ربحاً جيداً.
ويشير إلى أن المشروع أسهم في نشر ثقافة جديدة بين المزارعين السوريين، تقوم على استغلال الموارد المتاحة بطرق ذكية، بعيداً عن الزراعات التقليدية التي تتطلب كلفة كبيرة ومساحات شاسعة.
مشروع صغير ولكن..!
في ريف حلب الغربي، التقينا السيدة أم رشاد، وهي ربة منزل بدأت منذ ثلاثة أعوام مشروعاً صغيراً لزراعة الفطر المحاري، تقول: إنها لم تكن تتوقع أن ينجح المشروع بهذه السرعة، فقد خصصت غرفة صغيرة في منزلها، وبعد شهرين بدأت تجني محصولاً وفيراً، وتبين أنه أصبح لديها مصدر غذاء صحي للأسرة، كما تبيع جزءاً من الإنتاج للجيران والمتاجر القريبة، ما ساعدها على تأمين دخل إضافي يعينها على مصاريف الحياة.
فيما أكد المزارع أبو علي أن تجربة زراعة الفطر فتحت أمامه آفاقاً جديدة، إذ تمكن من توسيع عمله تدريجياً حتى بات يزود المطاعم والأسواق بكميات جيدة من الفطر الأبيض، مؤكداً أن الفطر مطلوب بشدة في السوق، وخاصة مع ارتفاع أسعار اللحوم، فالناس يبحثون عن بدائل غذائية غنية بالبروتين، وهذا ما يوفره الفطر بامتياز.
على مائدة السوريين
مع اتساع رقعة إنتاج الفطر في سوريا، بدأ يظهر تنوع أكبر في طرق طهوه واستخدامه في المأكولات المنزلية والمطاعم، فالفطر أصبح يدخل في أطباق رئيسة كـ”البيتزا والمعكرونة واليخنات”، إضافة إلى السلطات والشوربات.
يقول الشيف فادي غريواتي: ألاحظ تزايد إقبال الزبائن على الأطباق التي يدخل فيها الفطر، إنه ليس فقط لذيذ الطعم، بل يعطي للأطباق قيمة غذائية عالية، نحن كطهاة نشجع دائماً على إدخاله في وصفات جديدة تناسب الذوق المحلي.
مشروع بذار الفطر الزراعي في سوريا مبادرة مهمة تحمل في طياتها الكثير من الأمل لمستقبل غذائي أفضل، فهو يجمع بين الفائدة الغذائية العالية، والدخل الاقتصادي المعقول، والبعد الاجتماعي المهم في تمكين الأسر من الاعتماد على ذاتها، وإذا ما استمر الدعم والتوسع، فإن هذا المشروع يمكن أن يتحول إلى قصة نجاح تضاف إلى رصيد الزراعة السورية في مواجهة التحديات.