حين تفقد الذاكرة جسدَها.. 

الثورة – لميس علي:

يثير خبر إطلاق المكتبة الوطنية الفرنسية في باريس حملتها لجمع مبلغ ” 7,7 ” ملايين يورو لشراء تسعمئة مخطوطة غير منشورة للروائي مارسيل بروست، مجموعة أفكارٍ تفجّرها تلك المخطوطات التي ستُباع من قِبل الورثة، ففيها كشف أسرار الكتابة لدى صاحب “البحث عن الزمن المفقود”، وكيف تبلّورت تفاصيل عمله ومشاهده.

من الممكن أن تكون تلك المخطوطات تخصّ أعمالاً أخرى للكاتب، فيها “300” مسوّدة تخصّ روايته الأشهر، لكن مع ذلك يبرهن عددها على أهمية التنقيح والتعديل وإعادة رسم التفاصيل ومحاور العمل بالنسبة للكاتب، وكأنها كانت مختبراً ذاتياً وورشة إبداعية.

بمعنى، فيها يكمن سرّ تكوين ذاته المبدعة، ومصنع الكتابة الداخلي لديه، لأنها تشتمل سجلاً بصرياً وكتابياً للعمليات الذهنية التي قام بها، فالمخطوطات تتماهى مع كونها مخططاً للكتابة أو خطةً لها.

حالياً، هل يحتفظ مصنع الكتابة الداخلية لدى مطلق كاتب أو روائي بآلية العمل ذاتها من تنقيح وتعديل وبلورة أفكار؟.

مع كل التطور التقني الحالي، هل بقيت عملية الإنتاج الإبداعي ذاتية صرفة؟، تكشف لنا المخطوطات، كوثيقة بصرية ملموسة، أن الكاتب يعيد إنتاج ذاته داخلياً ويصوغها مجدداً مع كل مسوّدة وفي كلّ عمل مهما تعدّدت مسوّداته.

هل يشتغل كاتب اليوم بهذا النهج من الصبر والإرادة؟، وهل يمتلك مخزوناً بصرياً غنياً من المخطوطات؟ وبما أن الوثيقة الملموسة “المخطوطة” تُغني أرشيف الذاكرة الحية “الجمعية” لأنها العمود الفقري لها، وهي امتدادٌ مادي للذاكرة الداخلية “الذاتية” للكاتب، تصبح إرثاً أدبياً يُغذي الإبداع عموماً.

كيف يمكن التعامل مع أرشيف “رقمي” يحتفظ به كاتب “اليوم”؟، فمختبرات الكتابة ومصانع الإبداع انزاحت لتصبح متماهيةً أكثر مع بيئة “رقمية” تُحيط بآليات التفكير والإنتاج لدى كاتب هذا الزمن.

الملفات، الملاحظات، التنقيح، النسخ المتعددة، وحتى التعديلات اللحظية على النصوص كلها تمثّل امتداداً لذاكرة المخطوطات في الماضي، لكنها تتفاعل مع أدوات “رقمية” تسمح بإعادة إنتاج النصوص بسرعة ومرونة غير مسبوقة.

هل يمكن أن تكون هذه المرونة والسرعة على حساب امتلاكنا لأرشيف يُغني الإرث الأدبي والإبداعي؟، وهل يمكن أن نصل إلى يوم يُباع فيه أرشيف رقمي لأحد الكتّاب؟ السؤال الأعمق، هل يمكن امتلاك أرشيف رقمي في ظل هشاشة الحضور الإلكتروني؟ كأننا نفقد جزءاً من ذاكرة جمعية، أكانت أدبية أم غير أدبية، حين نرتكز على التواجد “الرقمي” لها تواجداً وحيداً دون أساس مادي ملموس، فما مدى قدرة الأرشيف “الرقمي” على إغناء الإرث الأدبي والإنساني عموماً؟ وما مدى ديمومته قياساً لقوة المخطوطات التقليدية؟ في الخبر عن حملة جمع المبلغ لشراء مخطوطات مارسيل بروست، ظهر تساؤل عن أهمية “التبرعات”، لأنها تجسّد “تمريناً عملياً يتعامل مع الأدب مثلما يُتعامل مع المعمار أو الآثار”.

في ظل الحضور الرقمي لأرشيف معظم من يشتغلون في الحقول الإبداعية، هل سيتم التعامل معه تماماً مثلما يُتعامل مع الإرث الثقافي الإنساني الملموس؟، ربما في زمن الذاكرة الرقمية، لا نحتاج فقط إلى حفظ النصوص، بل إلى إنقاذ أثر اليد التي كتبتها.

آخر الأخبار
مجلس الشعب والاقتصاد.. مسؤولية مضاعفة في مرحلة دقيقة الشرطة النسائية في اللاذقية.. نموذج جديد للأمن المدني بعد حقبة القمع مصداقية الحكومة في الاستثمار الصناعي على المحك إدارةُ الطاقة.. معركةُ المستقبل الّتي لم نبدأها بعدُ الشتاء قادم.. و2,2 مليار ليتر مازوت تحت الاختبار "المركزي": العمل على إعداد مشروع لحماية المستهلك المالي "النظام الضريبي الجديد".. خطوة نحو العدالة والتنافسية حلم الثراء السريع يتحول إلى كابوس.. منصات مشبوهة تسرق أموال السوريين فيدان: دعم تركيا للحكومة السورية ثابت والانتخابات محطة مفصلية    أوّل انتخابات برلمانية بعد الأسد... نهايةُ مرحلة الاستبداد السياسي في سوريا المحامي عبدالله العلي: آلية الانتخابات تحاكي المرحلة وبعض الدوائر تحتاج زيادة في عدد "الناخبين" تطوير صناعة الأسمنت محلياً.. أولوية لإعادة الإعمار استعراض أحدث التقنيات العالمية في صناعة الأسمنت وتعزيز الشراكات الانتخابات التشريعية خطوة راسخة في مسار بناء الدولة الحديثة تعزيز الوعي الديني وتجديد الخطاب الدعوي.. تبادل الخبرات في المجالات الدعوية والتعليم الشرعي مع السعودية مهرجان "ذاكرة القدموس" للتراث اللامادي يختتم فعالياته الانتخابات البرلمانية.. آمال بتغيير النهج التشريعي وترسيخ الشفافية سوريا تشارك باجتماع مجلس إدارة الاتحاد العربي الرياضي بالقاهرة      تطلع أردني لتدريس مهن الطيران في سوريا يفتح آفاقاً جديدة