الإصلاح الاقتصادي بين كفتي العدالة الاجتماعية والاستقرار المعيشي..

الثورة – منهل إبراهيم :

تعثر الاقتصاد السوري في زمن النظام المخلوع على نحو خلق أزمة اقتصادية واسعة، بسبب سياسات النظام الفاشلة اقتصادياً، وبعد تشدق طويل بالسعي نحو إصلاحات اقتصادية لم يلمسها المواطن، بل تفاقمت الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي أثرت بشكل كبير على الطبقات الفقيرة، وأدت لبروز تحديات اقتصادية واجتماعية يجب مواجهتها.

وتؤكد الأزمة المعيشية الحالية التي أفرزتها السياسات الاقتصادية السابقة أن الإصلاح الاقتصادي في سوريا لا يمكن أن يُقاس بالأرقام المالية فقط، بل بمدى قدرته على خلق توازن بين العدالة الاجتماعية والاستقرار المعيشي والاقتصادي، فوضع الطبقة الفقيرة في ضوء ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الاستهلاكية مع محدودية الدخل أمر يجب معالجته سريعاً، قبل أن يتحول الغلاء إلى أزمة اجتماعية شاملة.

تكلفة المعيشة مقابل الدخل

وفي هذا الإطار، قال الباحث والخبير الاقتصادي الدكتور زياد عربش: “عندما نرى أن تكاليف المعيشة لأسرة سورية مكونة من خمسة أفراد تجاوزت حد الخمسة مليون ليرة، في حين أن الحد الأدنى للأجور لا يغطي سوى نسبة ضئيلة من هذه التكاليف، فإن الفجوة كبيرة وتؤدي إلى تفاقم الفقر.

وأوضح عربش في حديث خاص لصحيفة الثورة أن “الأزمة المعيشية الراهنة في سوريا قديمة، وتشير إلى عدم كفاية الإصلاحات الاقتصادية التي لا تراعي العدالة الاجتماعية، وبدون إصلاح متكامل وتحفيز الإنتاج واستقرار العملة، ستستمر الأزمة وتتوسع إلى مشكلات اجتماعية أكثر خطورة”، لافتاً إلى أنه لا بد من التركيز على حماية الطبقات الفقيرة وإعادة توزيع عادلة للدخل والثروة كشرط اساسي للحفاظ على استقرار المجتمع والاقتصاد السوري.

وتابع عربش: “بالفعل تعكس ثلاثية الانكماش والتضخم وضعف القدرة الشرائية تحديات جوهرية أمام الجميع، حيث لا يمكن اختزال الإصلاح الاقتصادي في سوريا، وفي هذه المرحلة بالذات بمؤشرات مالية أو أرقام فقط، بل يجب أن يوازن بين العدالة الاجتماعية والاستقرار الاقتصادي لضمان حياة كريمة للمواطنين بكافة شرائحهم”.

وأضاف عربش: “ورغم الجدل بأن نسبة 90 بالمئة من السوريين هم تحت خط الفقر، فمعظم الأسر السورية تكافح على أكثر من صعيد للحصول على الغذاء الكافي، خاصة مع انخفاض القدرة الشرائية نتيجة لتدهور قيمة الليرة، وارتفاع حاد في أسعار الكهرباء والمواد الاستهلاكية الأساسية، بما فيها أسعار السلع المصنعة محلياً، في حين ورغم زيادة الرواتب (ولأول مرة بتاريخ سوريا بنسبة ٢٠٠ بالمئة) لم تقلع عجلة الإنتاج جوهرياً، وأصبحت الطبقة الوسطى والطبقة الفقيرة الأكثر تضرراً من ارتفاع الأسعار، مع محدودية دخلها الرسمي وغير الرسمي (خاصة المتقاعدين والذين ليس لديهم أي مصدر دخل ثابت أو دوري)”.

ولفت عربش إلى أن طرح الموضوع اليوم يكتسب أهمية بالغة خاصة وأن رفع سعر الكهرباء سيفاقم من أزمة القدرة على العيش الكريم وزيادة الفجوة بين الطبقات، مما يزيد من معاناة الفقراء، ويعمق المخاوف من أزمة اجتماعية شاملة إذا لم تُتخذ إجراءات حماية.

الإصلاح والعدالة الاجتماعية

وبين عربش أنه من المفترض أن يبنى الإصلاح الاقتصادي على رؤية متوازنة تشمل مايلي:

استقرار نقدي حقيقي عبر سعر الصرف المتوازن وإدارة الكتلة النقدية.

تحفيز الإنتاج المحلي لتعزيز الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الاستيراد.

بناء شبكة حماية اجتماعية تدعم الطبقات الفقيرة وتضاعف القوة الشرائية للأجور.

استعجال الإصلاح الضريبي التصاعدي والعادل على الشركات الكبيرة وأصحاب الدخول المرتفعة، مع تخفيف العبء عن محدودي الدخل.

مكافحة التهرب الضريبي وحماية موارد الدولة لتمويل البرامج الاجتماعية.

استعجال الحلول

ونوه عربش بأنه قبل تحول الغلاء إلى أزمة اجتماعية، يجب وضع حلول شاملة وعاجلة تشمل:

توسيع وتطوير برامج الدعم الاجتماعي بحيث تكون معطاة بشكل عادل وفعّال.

الحد من السوق السوداء عبر دمج الاقتصاد الموازي وتنظيمه.

إعادة النظر في سياسات رفع أسعار الكهرباء الشريحة الأولى وبما يراعي قدرة المواطن خاصة ذوي الدخل المحدود.

دعم الإنتاج المحلي لتوفير فرص عمل وزيادة دخل الأسر.

تحسين إدارة الموارد العامة لتعزيز الثقة بين الحكومة والمواطنين.

تآكل رأس المال الصغير

وتؤكد تقارير رسمية قبل سقوط النظام المخلوع أن أقل من 10 بالمئة من الأسر السورية قادرة على تأمين احتياجاتها الغذائية بشكل مستدام، فيما يعاني الباقون من درجات متفاوتة من ترنح الأمن الغذائي.

وأكد سامر رعد وهو طالب في كلية الاقتصاد لصحيفة الثورة أن رفع أسعار السلع والخدمات الأساسية لا يقتصر أثره على الفقراء فقط، بل يؤدي إلى تسلسل تضخمي واسع، فالتجار والمنتجون يعيدون تسعير بضائعهم فوراً بناء على توقعات الغلاء، حتى قبل أن تتأثر كلفة إنتاجهم فعلياً، لتتحول الأسواق إلى دوامة من الأسعار المتدحرجة، لافتاً إلى أهمية تحسين البيئة الإنتاجية، وخلق فرص عمل جديدة عبر دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ثم تقديم دعم نقدي مباشر للفئات الأضعف.

وقد دفع الغلاء كثيراً من الأسر إلى بيع أدوات الإنتاج الصغيرة مثل ماكينات الخياطة والمعدات الزراعية والكهربائية، وغيرها، لتأمين احتياجاتها اليومية، ما يعكس تآكل رأس المال المنزلي والإنتاجي الصغير لدى الطبقات الفقيرة.

ويقول المواطن محمود السعيد لصحيفة الثورة، وهو موظف في إحدى المؤسسات العامة: “كل أسبوع نعيد حساب كل شيء من جديد، الزيادة بالراتب جيدة لكنها لا تكفي حتى منتصف الشهر بسبب الغلاء.

وتحذر دراسات اقتصادية من أن المجتمع الذي يفقد قدرته على الاستهلاك يفقد بالتبعية قدرته على الإنتاج، ما يهدد دورة الاقتصاد بأكملها.

ويؤدي الاستمرار في السياسات الاقتصادية القديمة إلى إعادة إنتاج الاقتصاد الريعي بشكل جديد، حيث تتكدس الثروة في أيدي القادرين على الوصول إلى الموارد والأسواق، بينما يعاني معظم المواطنين الفقراء من البقاء على الهامش الاقتصادي والمعيشي.

آخر الأخبار
جريدة (الثورة السورية) تلامس شغف الرياضيين بنسخة ورقية منتظرة من يملك الثقل الأكبر في انتخابات اتحاد الكرة ؟ أهلي حلب وحمص الفداء لنصف النهائي مدارس حلب بين الدمار ومحاولات التعافي.. أرقام تكشف حجم التحدي وجوه تتجلى في ختام ورشة "شاماري " اليوم انطلاق حملة "فجر القصير" بريف حمص الجنوبي الإصلاح الاقتصادي بين كفتي العدالة الاجتماعية والاستقرار المعيشي.. "تجارة دمشق" أمام اختبار استعادة حقوق تجار الأدوية فرنسا بين دمشق وبيروت: وساطة لترسيم الحدود ومقترح جديد لباريس إطلاق أول مشروع لتدوير الأنقاض في الغوطة الشرقية بين ترامب وابن سلمان.. الرئيس الشرع يحتل الصدارة وبؤرة الاهتمام "غصون" إرثٌ من اللطف لا يتقاعد أنت النص وأنا القارئ.. والعكس صحيح غوتيريش: التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الجولان انتهاك للقانون الدولي خريجو الإعلام.. شغف تقتله البطالة! لتعزيز التعاون العلمي بين سوريا واليمن: وزراء التعليم يبحثون توقيع برنامج تنفيذي جديد هيئة اللاجئين و"أونروا" تتفقان حول حقوق اللاجئين الفلسطينيين في سوريا عون يؤكد جاهزية لبنان للانفتاح الإقليمي والدولي برلمان تركيا يدرس خطوات "الكردستاني" ويتّجه للقاء أوجلان لحسم "عملية السلام" تركيا تواصل جهودها لإحياء مفاوضات السلام بين أوكرانيا وروسيا