الثورة – وفاء فرج :
مع تسارع التحوّلات التي تشهدها الساحة الاقتصادية في سوريا بعد التحرير، يتصدر الحديث عن اقتصاد السوق الحر نقاشات التجار والصناعيين وصنّاع القرار والشارع. وبين من يرى أن التجربة ما زالت في بداياتها، ومن يعتقد أنها دخلت مرحلة الاختبار الحقيقي، يبرز سؤال جوهري: هل بدأ هذا التحول يترك أثراً ملموساً على الأسواق أم أن الوقت ما زال مبكراً للحكم على التجربة؟
يرى رئيس غرفة تجارة دمشق المهندس عصام الغريواتي، أن الحكم على تجربة “الاقتصاد الحر التنافسي” التي اعتُمدت بعد التحرير غير ممكن في أقل من عام، مشيراً إلى أن المحركات الاقتصادية تحتاج إلى فترة أطول لظهور نتائج قابلة للقياس.
ويؤكد الغريواتي لصحيفة “الثورة” أن النهج الاقتصادي الجديد يحتاج إلى منظومة متكاملة من السياسات الاقتصادية والمالية والتجارية والنقدية التي تتماشى مع هذا التوجه، لافتاً إلى أن التطبيق الناجح للاقتصاد الحر يتطلب وجود تشريعات وقوانين تتناسب معه، وهو ما لم يتحقق بالدرجة الكافية حتى الآن، مرجعاً ذلك إلى عدم وجود مجلس نواب يقر ويعتمد القوانين الجديدة.
ومع ذلك، أشاد الغريواتي بخطوات الحكومة في تجميد تطبيق بعض القوانين التي لا تتوافق مع نهج السوق الحر، ومنها قانون التجارة الداخلية وتحديد الأسعار وآليات الرقابة، إذ كانت تُطبّق خلال النظام المخلوع بأسلوب مركزي “طارد” للعمل التجاري والصناعي، ويقول إن “هذه القوانين قد انتهت الآن”.
العرض والطلب
وفي تقييمه للقطاعات المالية والتجارية، أكد الغريواتي أن أنظمة النقد والمصارف وتداول القطع الأجنبي والتجارة الخارجية، وخاصة الاستيراد، نجحت في تطبيق آليات العرض والطلب والأسواق التنافسية، وهي اليوم تتناسب مع اقتصاد السوق الحر التنافسي.
واعتبر أن القطاع الخاص يناسبه هذا النوع من النظام الاقتصادي، وهو ملائم أيضاً للاستثمارات الأجنبية، مشيراً إلى أن غرف التجارة تدعم هذا التوجه بشكل كامل.
ما اقتصاد السوق الحرّ؟
اقتصاد السوق الحر هو نظام اقتصادي يعتمد بشكل أساسي على آليات العرض والطلب لتحديد أسعار السلع والخدمات وتوزيع الموارد، مع تدخل حكومي محدود يقتصر على وضع التشريعات وضمان المنافسة العادلة.
يمنح هذا النظام الأفراد والشركات الحرية في اتخاذ قراراتهم الاقتصادية، بدءاً من الإنتاج والتجارة وصولاً إلى تسعير المنتجات وتحديد أولويات الاستثمار. ويُعد اقتصاد السوق الحر محفّزاً قوياً للمنافسة والابتكار، حيث تشجع الفرص الربحية الشركات على تحسين جودة منتجاتها وتوسيع إنتاجها لتلبية الطلب المتغير للمستهلكين.

مع ذلك، لا يخلو هذا النظام من تحديات، فهو يحتاج إلى إطار قانوني وتنظيمي يحمي المستهلك والمنتج المحلي ويضمن توازن السوق، ويمنع الاحتكار وإغراق السوق بمنتجات رديئة.
ويشير خبراء الاقتصاد إلى أن النجاح المستدام لاقتصاد السوق الحر يعتمد على خطة استراتيجية متكاملة، تجمع بين الانفتاح الاقتصادي وحماية المنتج المحلي، إضافة إلى رقابة حكومية فعّالة لضمان أن يصبح الاقتصاد الحرّ مكسباً حقيقياً للمجتمع وليس مجرد شعار اقتصادي.
والنجاح المستدام يحتاج، بحسب الخبراء، إلى خطط وتنفيذها من قبل كفاءات متخصصة، مع تفعيل دور القطاع العام كـ”صمام أمان” ضد الاحتكار، لضمان أن يكون اقتصاد السوق الحرّ مكسباً حقيقياً وليس مجرد بوابة لإغراق البلاد.