الثورة – همسة زغيب:
“شاتيلا” ليس مجرد فيلم وثائقي، بل مرآة للذاكرة الفلسطينية، حين تتكلم بلغة الطفولة، وتُصرّ على أن الحكاية لم تنتهِ والجرح لا يزال مفتوحاً، وأن الفن قادر على منح الصوت لمن سُلبت منهم الكلمات.
في قلب مخيم جرمانا للاجئين الفلسطينيين، وعلى خشبة منتدى محمود درويش الثقافي، عُرض الفيلم الوثائقي “شاتيلا” للمخرجة مي المصري، في أمسية استثنائية استحضرت فيها الذاكرة الجماعية جراحها، وتكلمت بلغة الطفولة عن مجزرة لم تندمل بعد.
تحدث الشاعر أحمد دخيل في تصريح لصحيفة الثورة عن أهمية العرض، مؤكداً أن استحضار شاتيلا اليوم هو تذكير أن الجرح الفلسطيني لا يزال مفتوحاً، وما يحدث في غزة ليس بعيداً عن ذاكرة صبرا وشاتيلا.
في زاوية منسية من الذاكرة، إذ تختلط الطفولة بالحرب، يعيد الفيلم رسم ملامح المجزرة ليس عبر الصور الأرشيفية بل من خلال عيون صغيرة لم تُشاهد الحدث، لكنها ورثت ألمه.
فرح وعيسى، طفلان يعيشان في مخيم اللجوء، لا يرويان القصة كما فعل الكبار، بل ينسجانها من تفاصيل الحياة اليومية، من نظرات الأمهات، ومن الحكايات التي تتسلل إلى أحلامهما، في حديثهما، لا نجد خطاباً سياسياً، بل وجع إنساني نقي، يفضح بشاعة المجزرة ويكشف أثرها المتوارث.
أُنجز الفيلم عام 1998، ولا يكتفي بسرد وقائع المجزرة التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في مخيمي صبرا وشاتيلا عام 1982، بل يذهب أبعد من ذلك، ليغوص في وجدان الأطفال الذين وُلدوا بعد الحدث، ويكشف كيف أن المأساة لا تنتهي بانتهاء الحدث، بل تستمر في تشكيل الوعي والهوية عبر الأجيال.
من خلال عيون فرح وعيسى، يرصد الفيلم تفاصيل الحياة اليومية في المخيم، ويعيد تشكيل صورة الفلسطيني المنفي، الحالم، والمثقل بالذاكرة، شهادات الأطفال، التي تتقاطع مع روايات ناجين من المجزرة، تمنح الفيلم طابعاً إنسانياً مؤلماً، وتُظهر كيف أن الاحتلال لا يسرق الأرض فقط، بل يسرق الطفولة أيضاً.
في مخيم جرمانا، إذ تتقاطع الجغرافيا المنفية مع الذاكرة المثقلة، بدا عرض “شاتيلا” وكأنه استعادة للحق في الحكاية، وفي البكاء، وفي الحلم.. فالفن، حين يكون صادقاً، لا يوثق فقط، بل يداوي أيضاً.