“أعمدة إلى السماء”.. ثورة لون ينعتق من وجه الطغاة

الثورة – عبير علي:

كان الفنّ التشكيلي حاضراً قبل الثورة السورية، لكن أحداث الثورة 2011 شكّلت منعطفًا عميقًا في اللغة البصرية للفنانين، التصدير الإبداعي لهذا التحوّل أعاد تعريف الهوية الثقافية السورية، سوريا كبلد ثقافة وحياة لا كعنوان للحرب فقط، لذا استطاع الفنّ أن يحوّل الألم إلى خطاب مؤثر، ورسّخ مكانة الفنان السوري في المشهد التشكيلي العالمي.

رسائل السماء

ينبثق الضوء من قهر الخراب الذي خلفته الحرب، عبر لوحات تحمل رسائل أمل، في المعرض الفردي “أعمدة إلى السماء” للفنان الدكتور محمد شبيب، الذي أُقيم في غاليري مهد الفنون بالرياض في العاشر من الشهر الحالي، ويستمر حتى العشرين منه. يقدم المعرض، الذي يتضمن أربع عشرة لوحة فنية، يقدم تجربة بصرية غنية بالرموز والدلالات التي تتنقل بين الطابع الإنساني والسياسي، ليعكس إدانة للظلم والقمع الذي عانى منه المجتمع السوري. يتراوح المعرض بين لوحات ثنائية العمود الكبيرة بمقاساتها بين 240×120 سم و220×110 سم، بالإضافة إلى ست لوحات خشبية بمقاسات 190×30 سم، وقد أنجزت باستخدام تقنيات متنوعة مثل الأكريليك، الزيت، الأصباغ، الفحم، الأحبار، الرمل والكولاج، تتسم بتنوعها في الأسلوب والتقنيات، لكنها تتفق في قدرة الفنان على توصيل رسائل فنية معبرة عن فترة صعبة شهدها الشعب السوري.

في حواره مع صحيفة الثورة، أشار الفنان محمد شبيب إلى أن “أعمدة السماء” هي انعكاس للواقع السوري خلال الثورة. وقال: “إن المشهد اليومي الذي عايشه السوريون، خاصة أعمدة الدخان المتصاعدة من جميع الاتجاهات، كانت أشبه بأعمدة تحاول الوصول إلى السماء، أصبحت هذه الأعمدة بالنسبة لي رمزاً للصمود والبقاء في وجه الطغيان، وكانت حاملة لرسائل استغاثة وإرادة صمود”.

رمزية للحيرة والانكسار

وفيما يتعلق بالضبابية التي تميز بعض أعماله، أوضح شبيب أن هذه الرمزية تعكس حالة من الحيرة والانكسار الذي عاشه السوريون. وقال: “في مرحلة معينة من الصراع الداخلي، دخلت البلاد في دوامة من العنف، دون وجود بريق من الأمل نحو مستقبل واعد، وأصبحت الأوضاع ضبابية بلا ألوان، بلا أمل، بلا معنى. هذا العبث هو ما انعكس على لوحاتي، حيث سيطر الرمادي على الأفق، وأصبح المستقبل غير واضح”.

تعبير عن البحث المستمر

في لوحات شبيب، تظهر الأيادي في العديد من الأعمال وكأنها تحاول الوصول أو طلب المساعدة. هذه الإيماءات لم تكن مجرد تعبير عن الاستغاثة، بل أيضاً عن الأمل المستمر وعدم الاستسلام. يضيف شبيب: “الأيادي في لوحاتي هي أيادٍ تبحث عن لا شيء، عملية البحث هي الغاية بحدّ ذاتها. إنها تمثل تلك اللحظات التي كانت فيها السماء والأرض تتبادلان الرسائل، والأقدار تتلاقى بين صعود وهبوط”.

انعكاس لأرواح الضحايا

أما بالنسبة للشخوص التي تظهر في لوحاته، فهي بحسب شبيب تمثل الأرواح المكسورة التي سقطت نتيجة المعاناة. يقول: “الشخوص في لوحاتي تعكس الواقع السوري بكل ما يحمله من دمار وظلم، اللوحة هي تعبير عن الرماد والدخان والركام، وهي تجسد الوجع الذي عشته وعاشه السوريون. الفنّ بالنسبة لي كان وسيلة للتعبير عن هذه الحالة المأساوية، ومحاولة للهروب إلى عالم يسوده السلام والأمان”.

رسالة الأمل والصمود

عندما سُئل شبيب عن الرسالة التي يودّ إيصالها للجمهور، قال: “الفنّ هو كود إنسانيتنا، وعندما نمسح هذا الكود بمشاعرنا، يتوهج جانبنا الإنساني، ذلك الجانب الذي يعشق الحياة والمفعم بالأمل. هذا المعرض هو رسالة إنسانية، لكنه بالدرجة الأولى رسالة لشعب ناضل وانتصر، رسالة صمود وانتصار للإرادة البشرية”.

وفيما يتعلق بقدرة الفن على توثيق التاريخ وحفظ ذاكرة الشعوب، أكد شبيب: “الفن لا يتغير، بل يتحول. هو وسيلة لتوثيق المشاعر الإنسانية، مثلما يتوثق التاريخ من خلال الأحداث. اللوحة هي تعبير عن عواطفنا وأحاسيسنا التي لا تتبدل مع الزمن، ولذلك يظل الفن أصدق أداة لحفظ ذاكرة الشعوب”.

من خلال لوحات “أعمدة إلى السماء”، يقدم الفنان محمد شبيب تجربة فنية تحمل في طياتها الكثير من الألم والإنسانية، وتنقل رسائل شعب ناضل في وجه الظلم، وعاش أوقاتا من الضياع والبحث عن الأمل. هذه الأعمال تشكل شهادة على إصرار الإنسان السوري، وعلى قدرته على المقاومة والتصدي في أوقات المحن.

احتجاج اللون وانتصاره

“إن إقامة معارض للفنانين السوريين خارج سوريا خصوصًا أولئك الذين واكبوا الثورة السورية وما رافقها من تحولات سياسية واجتماعية تحمل أهمية كبيرة على مستويات عدّة”، وفقاً لما صرّح به الدكتور محمد صبحي السيد يحيى رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين في سوريا، منوهاً إلى أن هذه المعارض تحفظ الذاكرة البصرية للثورة السورية، فالفن التشكيلي يُعد وسيلة قوية لتوثيق التجربة الإنسانية، وكثير من الفنانين السوريين نقلوا مشاهد الألم، الفقد، الأمل، والاحتجاج عبر اللون والخط، وهو ما يحمي هذا الإرث البصري من الضياع.

جعل الرواية البصرية السورية جزءاً من الذاكرة العالمية، ومواجهة الروايات الرسمية لأبواق النظام المخلوع والمشوّهة والمؤيدة له والمتباكين عليه ممن كانوا مستفيدين من وجوده.

ويشير يحيى إلى أن الفنان يُعد شاهداً مستقلاً، يعرض أعماله خارج البلاد ويسمح بتقديم رواية مغايرة عمّا تسوّقه الأنظمة السياسية ووسائل الإعلام، ويمنح الجمهور العالمي فرصة لفهم القضية السورية عبر الفن وليس فقط عبر الأخبار بل يأخذ صفة التوثيق الدائم.

وأكد السيد دعم الفنانين وتمكينهم، ولاسيما أن معظم الفنانين الذين عايشوا الثورة عانوا تضييقاً أمنياً، ونقص الموارد وصعوبات العرض داخل سوريا.

وعن أهمية المعارض الخارجية يبين يحيى أن المنصّات آمنة للتعبير عن الفنانين وفتح باب فرص بيع أعمالهم واستمرار إنتاجهم، وأن الاندماج في السوق الفنية العالمية يعزز الحضور الثقافي السوري عالمياً.

آخر الأخبار
600 رأس غنم لدعم مربي الماشية في عندان وحيان بريف حلب من الرياض إلى واشنطن تحول دراماتيكي: كيف غيرت السعودية الموقف الأميركي من سوريا؟ مصفاة حمص إلى الفرقلس خلال 3 سنوات... مشروع بطاقة 150 ألف برميل يومياً غياب الخدمات والدعم يواجهان العائدين إلى القصير في حمص تأهيل شامل يعيد الحياة لسوق السمك في اللاذقية دمشق.. تحت ضوء الإشارة البانورامية الجديدة منحة النفط السعودية تشغل مصفاة بانياس لأكثر من شهر مذكرة تفاهم مع شركتين أميركيتين.. ملامح تحول في إنتاج الغاز انطلاقة جديدة لقطاع الطاقة.. شراكات عالمية قد تفتح الباب لزيادة قياسية في الإنتاج محطة ترحيل النفايات في بانياس تعمل بكامل طاقتها افتتاح 13 مدرسة مؤهلة في ريف إدلب.. خطوة لعودة الحياة التعليمية إلى مسارها زيارة الرئيس الشرع إلى واشنطن تغيّر المعادلة.. إسرائيل خارج ملف السويداء "حلب أم الجميع": الجالية السورية في تركيا تتعرف على مشاريع إعادة الإعمار ارتفاع الأسعار بلا رقابة.. الحكومة تتحرك لتصحيح المسار قوة الاقتصاد تبدأ من المنزل.. المشاريع الأسرية محرك جديد للتنمية انضمام سوريا للتحالف الدولي.. فرض معادلة جديدة ونهاية لذرائع "قسد" في ألمانيا.. محاكمة خمسة متهمين من سوريا بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وزارة الداخلية السورية ترفع قيود السفر عن أكثر من 150 ألف شخص استثمار ميناء طرطوس فرصة لتطويره وبوابة ثقة لشركات إعادة الإعمار الأسواق المالية.. فرص متساوية وحوكمة شفافة لتعزيز ثقة المستثمرين