الثورة – فادية مجد:
تبرز أهمية الكتب التي تحفظ التراث، وتعيد إحياءه بأسلوب ينبض بالحياة، في زمن تتسارع فيه وتيرة الحياة وتكاد الذاكرة الشعبية تنسى، ومن بين هذه الكتب يأتي كتاب “تسالي وطرائف وأحاجي تراثية من منطقة صافيتا” للباحث نزيه عبد الحميد، ليشكل مرآةً صادقة لروح الساحل السوري وعاداته وطرائفه وألعابه، في قالب يجمع بين الطرافة والذكاء والحنين.
ولأن التراث لا يقرأ فقط، بل يُحكى ويُعاش، كان لـ”الثورة” تواصل مع المهتمة بالتراث الشعبي جودي حسين والتي قدمت لنا رؤية عميقة حول الكتاب ومؤلفه، يعكس تقديرها لهذا العمل التوثيقي المميز. حين وقعت بين يديّ نسخة من كتاب “تسالي وطرائف وأحاجي تراثية من منطقة صافيتا” للباحث نزيه عبد الحميد، شعرت وكأنني أفتح صندوقاً من الذاكرة، ينبض بالحياة والضحكة والدهشة، فهذا الكتاب ليس مجرد تسلية، بل هو توثيق دقيق لروح المكان والناس، وهو عمل يستحق الوقوف عنده طويلًا”، وفقاً لما قالته حسين. وقد عرفت عن الباحث نزيه عبد الحميد، ابن قرية بيت الشيخ يونس في ريف صافيتا، مواليد عام 1944، شخصية متعددة المواهب، تخرج من دار المعلمين- الشعبة الموسيقية في حلب عام 1965، وكرّس سنوات طويلة من عمره في التعليم والعمل الفني، شارك في العديد من المهرجانات كمدرب كورال وملحن وموزع للأناشيد، محققاً مراتب أولى وممتازة، وقد انتسب إلى نقابة المحامين عام 1988، وبعد تقاعده تفرغ للبحث في التراث الشعبي، فأصدر عدة كتب مهمة منها: الأمثال التراثية والتعابير الشائعة في الساحل السوري، والحكاية الشعبية التراثية، والألعاب التراثية، وقد تمّ تكريمه من قبل المركز الثقافي العربي في صافيتا عام 2015.
صندوق من الذاكرة
أما عن الكتاب “تسالي وطرائف وأحاجي تراثية من منطقة صافيتا” الذي بين أيدينا، والصادر عن دار الغانم، فهو يقع في 111 صفحة، ويضم بابين رئيسيين: باب التسليات، وباب الطرائف والأحاجي، ويتميز الكتاب ببساطة شكله وغنى مضمونه، كما يعكس قدرة الكاتب على الجمع بين الطرافة والذكاء والحنين.
وأضافت حسين: في الباب الأول باب التسليات، نجد أربعة فصول ممتعة، يبدأ الفصل الأول بالمساجلات الشعرية، وهي مباريات شعرية تعتمد على الروي، وتتطلب حفظاً واسعاً وذكاء لغوياً، رغم أن معظم المشاركين كانوا أُميّين حفظوا الشعر بالسماع.
ثم يأتي الفصل الثاني: “تكرار الكلمات”، وفيه عبارات صعبة تعاد بسرعة لاختبار النطق والتركيز مثل: “خيط حرير عحيط خليل”، و”عنا شرشف وعند بيت شريف شرشف”، ويُعتبر فائزاً من ينجح في التكرار من دون خطأ.
فيما الفصل الثالث: “شو اسمك؟” فهو لعبة تبدأ بحرف معين، وتتطلب إجابات متسلسلة وسريعة تشمل الاسم، واسم الأب، والأم، والمدن، والمهن، والطعام، والبيت الشعري، وكلها تبدأ بنفس الحرف.
وأخيراً الفصل الرابع: “اللعب على الألفاظ”، والذي يعتمد على التلاعب اللغوي كأساس للتسلية.
وبالانتقال إلى الباب الثاني، باب “الطرائف والأحاجي”، والذي هو الأقرب إلى قلبي، لأنه يحمل روح الشتاء الساحلي، إذ كانت الأحاجي تُروى في ليالي الشتاء الطويلة، فتختبر الذاكرة، وتضحك القلوب، ويبدأ هذا الباب بفصل الطرائف، وجمع الكاتب ستين طرفة، بعضها واقعي من قريته، وبعضها متداول في المجلات والكتب، ثم تأتي فصول الأحاجي الستة التي تنوعت بين العامة والحسابية والذكائية والشعرية والمحكية والنثرية، ومنها أحاجي مأخوذة من كتاب ألف ليلة وليلة، كالأحاجي الشعرية والمحكية والنثرية، التي كانت تُضفي جواً من المرح والتفاعل في الجلسات العائلية.
وفي نهاية حديثها، أكدت حسين أن هذا الكتاب ليس مجرد تسلية، بل هو وثيقة تراثية نابضة بالحياة، تحفظ لنا جانبًا من ثقافتنا الشعبية، وتعيد إلينا دفء السهرات القديمة، وضحكات الأهل، وذكاء الأجداد، وأن التراث لا يُحفظ في المتاحف فقط، بل في الكتب التي تنبض بالحياة، ومثل هذا الكتاب الذي استطاع أن يجمع بين الطرافة والذكاء والحنين في آنٍ واحد يستحق أن يقرأ ويحفظ.