الثورة – فؤاد الوادي:
يخط السوريون اليوم فصلاً جديداً من فصول حريتهم وكرامتهم، بعد عقود من التضحيات بذلوا فيها دماءهم وأرواحهم وأغلى ما يملكون.
المشهد، لا يعكس رمزية اللحظة فحسب، بل يتجاوز ذلك بكثير ليؤكد انتقال سوريا من مرحلة مظلمة وسوداء ستبقى محفورة في ذاكرة السوريين أجيالاً وأجيالاً، إلى مرحلة مشرقة في حاضرهم ومستقبلهم، مرحلة تجسد إرادتهم في النهوض من تحت الركام.
المشهد الانتخابي اليوم برمزيته السياسية التي تؤرخ لزمنين متناقضين، وصفه السيد الرئيس أحمد الشرع بالقول : “هذه اللحظة التاريخية بين السوريين مهمة جداً في وقتنا الحاضر وعلى جميع السوريين بناء وطنهم من جديد”.
وفي إشارة إلى الجهود المضنية التي لا تزال تقوم بها الدولة السورية من أجل بناء وتفعيل البنية المؤسساتية للدولة، أكد الرئيس الشرع خلال إطلاعه على سير العملية الانتخابية لأعضاء مجلس الشعب الجديد في مركز المكتبة الوطنية لدائرة دمشق الانتخابية، أن سوريا استطاعت خلال بضعة أشهر قليلة أن تدخل في عملية انتخابية تتناسب مع الظرف الذي تمر به.
ويشكل انتخاب مجلس الشعب في هذه الظروف الانتقالية تحدياً جديداً للدولة السورية، وهذا ما يوسع قائمة الأولويات والتحديات لدى النواب المنتخبون، وهذا ما أشار إليه الرئيس الشرع عندما قال إن هناك الكثير من القوانين المعلقة بحاجة إلى تصويت للمضي قدماً في عملية البناء والازدهار، مضيفا أن عجلة القوانين ستدور بشكل سريع مع استمرار المراقبة على الحكومة لضمان الشفافية والمساءلة، ومؤكدا أن بناء سوريا مهمة جماعية ويجب على جميع السوريين أن يساهموا فيها.
كذلك فإن الحدث بحسب رئيس اللجنة العليا للانتخابات محمد الأحمد مميز كونه يجسد صورة الانتخابات الحرة والنزيهة في سوريا بعد عقود من الاستبداد والإقصاء.
ويعيد هذا المشهد الانتخابي مسيرة ورحلة الحياة البرلمانية في سوريا قبل أكثر من قرن، تباينت في الحريات بين الصعود والهبوط من جهة، وبين التهميش ومصادرة الآراء والحقوق من جهة أخرى، نتيجة سياسات “النظام الأسدي” الاستبدادية.
وتعود البدايات الأولى للعمل النيابي في سوريا إلى العام 1877 حين شاركت “ولايات” سوريا ولبنان آنذاك بانتخابات مجلس المبعوثان العثماني، في أول تجربة تمثيل سياسي للسكان المحليين داخل بنية الدولة العثمانية، وقد خصص لها 7 نواب، لكن ذلك لم يدم مطولاً حيث عطله السلطان عبد الحميد الثاني عام 1878، بموجب صلاحياته الدستورية، ثم أعاد تفعيله مجدداً بفترة المشروطية الثانية عام 1908 وأجريت انتخابات جديدة.
بالتزامن مع انتخابات مجلس المبعوثان الأخيرة في سوريا عام 1914 اندلعت الحرب العالمية الأولى، وانخرطت الدولة العثمانية فيها، وبعد قرابة 4 أعوام بدأت ملامح تشكل الدولة السورية، حيث انهارت السلطنة العثمانية وعاد النواب السوريون إلى دمشق وحلب.
عشية انسحاب الجيش العثماني من دمشق في أيلول عام 1918، شكل مجلس حكم انتقالي مصغر لم يدم طويلاً حيث وصلت القوات العربية إلى دمشق بقيادة الأمير فيصل بن الحسين الذي توج ملكاً فيما بعد.
بعد أشهر تشكل المؤتمر السوري العام، أو ما يعرف بالمؤتمر السوري الأول في حزيران 1919 في دمشق تحضيراً للجنة كينغ – كراين لتقصي الحقائق بشأن مستقبل سوريا.
مثل هذا المؤتمر أول مجلسٍ نيابي سوري، أعلن أبرز مقرراته وهو استقلال سوريا باسم المملكة السورية العربية بحدودها الطبيعية ومناداتها بالأمير فيصل بن الحسين ملكاً عليها.
لم تعترف فرنسا وبريطانيا بهذه القرارات وتقاسموا سوريا الكبرى فيما بينهم، حيث فرض الانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان، واتجه الجنرال هنري غورو من بيروت إلى دمشق عام 1920 بعد إصدار مراسيم التقسيم لتفتيت سوريا إلى دويلات أصغر لكل منها مجلس تمثيلي تعين فرنسا ثلثه وينتخب الشعب الثلثين المتبقين.
وبعد أن احتلت فرنسا سوريا، وأعلنت قيام الاتحاد السوري عام 1922 وأنشأت مجلس الاتحاد، ولم تحصل أي انتخابات حيث كانت فرنسا تعين أعضاء المجلس إلى أن اندلعت أحداث الثورة السورية الكبرى عام 1925، والتي أدت إلى تمهيد الطريق أمام انتخابات جمعية تأسيسية لكتابة دستور عام 1928، حيث جرت أول انتخابات اقتراع مباشرة في تاريخ سوريا الحديث لانتخاب 68 نائباً في الجمعية.
في فترة الانتداب الفرنسي أجريت 3 انتخابات تشريعية حُلَّ اثنان منها بقرار من المفوض السامي الفرنسي تمخض عنها 3 برلمانات والعديد من الحكومات التنفيذية، هي المجلس النيابي 7/61932 حتى 25/11/1933 برئاسة صبحي بركات، والمجلس النيابي 21/12/1936 حتى 8/7/1993 برئاسة فارس الخوري، والمجلس النيابي 17/8/1943 حتى 31/5/1947 برئاسة فارس الخوري أيضاً.